لا يزال تصنيف قانون المواطنة العالميّة الذي ساقهُ عمانوئيل كانط في عملين فلسفيّين قانونيّين لاحقَين على أعماله، يتمتّع بتأثير وجاذبيّةٍ كبيرين بالنسبة إلى النّظريّة السياسيّة.
تحميل المقال
فالمقاطع القليلة المتضمّنة لـ”السلام الدائم” (1795)، والقانون العامّ في مذهب الحقّ (1797) الشامل لمقاطع قصيرة في كتابه مذهب الحقّ، تُشكّل عناصر أساسيّة لمفهوم كانط للنظام العالميّ تخدم أيضًا التوجيه الدؤوب للمقاربات المعياريّة الحاليّة (انظر: vgl. Habermas 2009, Benhabib 2008, Ypi 2014, Stilz 2016 Flikschuh 2017a). ولعلّ المشترك في عمليات التكيّف أنّها تتكئ على فكرة قانون المواطنة العالميّة لكانط، من أجل توجيه الانتقاد إلى الاستعمار والتوسّع الأوروبيّ، وكذلك تبرير قابليّة عبور حدود الدولة فيما يتعلّق بحقوق التنقّل والاتصالات. فقانون المواطنة العالميّة يتناسب والحالة بشكلٍ خاص مع مصدر الإلهام الحاليّ، كونه يضع حدودًا لسلطة الدولة جميعها، ويمتدّ بشكلٍ واضح شاملًا جميع الأفراد، ويمنح تفويضًا لجميع حامليه1 تجاه جميع الدول، ومن ثم يُمثّل حجر الأساس لنظام قانونيّ عالميّ دائم، إلى جانب القانون الدّستوريّ والقانون الدَّوليّ القائم على المعاهدات (Flikschuh & Ypi 2014, Huber 2022, Niesen 2021, Reinhardt 2019). غير أنّه، في السنوات الثلاثين الفائتة، وبالتّوازي مع التأويلات المبنيّة بشكل خاصّ على فكرة قانون المواطنة العالميّة لكانط، تأجّج النقاش حول أعماله ذات النظريّة العنصريّة التي لا يمكن أن تدع فهمنا لقانون المواطنة العالميّة بمنأى عنها. لقد أظهرت تلك الأعمال أنّ كانط كان يسعى، في مواضع كثيرة، إلى تبرير بيولوجيّ للتفوّق الأوروبيّ، وإلى الانتقاص من قيمة الأشخاص غير البيض، من الناحية الفكريّة والثقافيّة والأخلاقيّة. وقد روّج كانط لعقود من الزّمن، أثناء نشاطه التعليميّ والبحثيّ، في مختلف التخصّصات مثل الأنتروبولوجيا، والجغرافيا، وفلسفة التاريخ، وعلم الأحياء النظريّ، لآراءٍ وتصوّرات عنصريّة، ودافع عنها ضدّ الاعتراضات، ونقلها إلى الحاضرين في محاضراته. وبما أنّه خصّص قدرًا لا بأس به من نشاطه الفكريّ لموضوع “الأجناس البشريّة”، فمن غير الوارد اعتبار ذلك أمرًا عرضيًّا أو هامشيًّا في تفكيره (Rölli 2011).
لم يكن كانط في أيّ حالٍ من الأحوال “خاضعًا هنا للأحكام المُسبقة في عصره” (Höffe 2020)، فمواقفه لم تكن مشتقّة على الدوام، أو تمّ تبنّيها من دون حرج من قِبل كُتاب آخرين، على الرغم من أنّها كانت محمّلة بافتراضاتٍ تجريبيّة باطلة، كما هو الحال في نظريّة الفلوجستون في الأجناس البشريّة التي تراجعت مصداقيّتها العلميّة بشكل سريع.
وبالنظر إلى الواقع الذي لا يمكن إنكاره، وهو أنّ الأفكار العنصريّة لعبت دورًا محوريًّا في عمليّة التبرير الإيديولوجي لإخضاع الشُّعوب غير الأوروبيّة واستعمارها، فليس من المستغرب أن تؤدّي إعادة النظر في عنصريّة كانط إلى تقويض مصداقيّة مناهضته للاستعمار، وإمكانيّة تطبيق قانون المواطنة العالميّة على المسائل الكونيّة المتعلّقة بالحياد والتنقّل، وفتح الأبواب أمام الأشخاص الضُّعفاء2. إنّ الهدف من هذه المُداخلة لا يسعى إلى إعادة إنتاج الشُّواهد على عُنصريّة كانط ومناقشتها بالتفصيل، فالمصادر سيقت بشكل مفصّل وبنيات مختلفة3، أما المراجع فقد دخلت الآن في مرحلة تبجيل وتقديس تقريبًا4. وعلى الرغم مما يمكن قوله حول الجودة التوثيقيّة لنصوص المُحاضرات، وكذلك حول الفروق المختلفة في فترات المؤلّفات الزَّمنيّة، فإنّ الشواهد واضحةٌ وغير قابلة للجدال، بناءً على الكتابات المنشورة. والواضح كذلك، والأمر الذي لا لَبس فيه، هو صياغة الفقرات المتعلّقة بقانون المواطنة العالميّة فيما يتعلّق بالضيافة الكونيّة، الأمر الذي يقود إلى تضاربٍ واضحٍ في التفسير. كيف يمكن فهم قانون المواطنة العالميّة انطلاقًا من خلفيّة العناصر النَّظريّة للعنصريّة التي ساقها كانط مجازيًّا؟ تنبغي الإجابة على هذه القضيّة البحثيّة من ثلاثِ نواحٍ:
إنّ تاريخَ العالمِ هو تقدُّمٌ في وعيِ الحُرّيّة, تقدُّمٌ يجب أن نُحرِكه في ضرورته
بدايةً يُطرح السُّؤال حول الغرض مِن قانون المواطنة العالميّة. وعلى الرَّغم من أنّ صياغته تمّت على مستوى كوزموبوليتيّ، فهل يمتدّ ليشمل جميع الناس كمعنيّين به، أو هو محصور فقط بالأوروبيّين؟ وإن كان يعني الجميع، فسيطرح فورًا السؤال حول انتشاره المساواتي أو غير المساواتيّ. فهل يعني قانون المواطنة العالميّة المساواة الكونيّة في القانون لجميع البشر، أم أنّ هناك درجات من الضّيافة الكونيّة مسموح بها؟ وأخيرًا فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل مضمون قانون المواطنة العالميّة نفسه قد تعرّض للخطر، من خلال أبحاث كانط العنصريّة المُصاحبة؟
فهل من الممكن والمعقول الاستمرار والبناء على مقاربات يومنا هذا؟ ولن يبدو الأمر كذلك إن أمكن إبانة أنّ تصنيف قانون الشُّعوب يحمل في طياته بالضّرورة خصائص قائمة على التَّمييز. وسأجيب فيما يلي على الأسئلة الثلاثة بـ “نعم”، و”لا” و”بشرط”.
إنّ قانون المواطنة العالميّة عند كانط هو مهر كونيّ لجميع الناس، وليس للأوروبيّين فقط. وبما أنّ الجميع يتمتّع بقانون المواطنة العالميّة نفسه، فلا يعني ذلك بالضرورة، أنّ امتداده معصوم من أن يتمّ تحديده بطريقة قائمة على التمييز. وحيثما يكون ذلك ممكنًا فإنّه ناجم عن الأسباب التي تبرّر مناهضة كانط للاستعمار وتحفّزه عليه. فالأسباب المفصليّة التي يحشدها كانط في سبيل قانون المواطنة العالميّة، هي إما مقبولة معياريًّا وإما محايدة. غير أنّه لا يمكن استبعاد لجوء كانط إلى أسباب مكروهة، بحيث يكون من الضروريّ فصل قانون المواطنة العالميّة، بشكل واضح وصريح، عن هذه الأسباب البغيضة، من أجل جعله متوافقًا مع حجج عصرنا هذا. وحيثما ينعكس هذا الأمر فإنّ قانون المواطنة العالميّ الكانطيّ هو أحد الابتكارات الأشدّ كونيّة التي تساعد على التغلّب على قيودها التاريخيّة.
ليس من الضروري في هذا المجال عرض أكثر من موجز لقانون المواطنة العالميّة، كونه جزءًا من اللُّغة المشتركة للنظريّة السياسيّة الدوليّة5. إنّ قانون المواطنة العالميّة هو: “حقّ النزيل الأجنبيّ بالإقامة في أرض غيره، وألا يعامل معاملة العدو ما دام مسالمًا” (VIII: 358)6. ويمكن لهذه الإقامة أن تكون طوعيّة أو قسريّة، وتهدف إلى محاولة “تقديم الإنسان نفسه على أنّه عضو في المجتمع” (المصدر نفسه) وإلى “تقديم مبدأ التواصل والمجاورة بين الناس مع بعضهم البعض” (VI: 352). ويجوز للبلد أن يرفض عمليّة إيواء الأجنبيّ، إذا ما لم يكن ذلك “يضرّ به” (VIII: 358). يقدّم كانط هذا التَّصنيف للمرّة الأولى في عنوان المادة النهائيّة الثالثة للسلام الدائم، من أجل استكمال القانون الدستوريّ الجمهوريّ، والقانون الدوليّ للمعاهدات المتعلّقة بالحقوق القانونيّة للأفراد والشعوب الأخرى. ولعلّ القراء المعاصرين قد فوجئوا بما بدا أنّه يعيد سحب امتداد هذا النوع الجديد من القانون لحظة صياغته، حين يقول: “إنّ قانون الشُّعوب يجب أن يقتصر على شروط الضّيافة العامّة فقط” (VIII: 357).
من خلالِ متابعةِ مصالحِهم الخاتيّة الأنانيّة, يُحقّق البشرُ ضبطاً لتلك العلاقات التي تُمكّنهم من تجنّبِ العواقبِ الكراثيّة لتلك الصراعاتِ المصلحيّة, أو الهربِ منها.
ومن ثم فإنّ الموضوع يحمل منذ البداية الطابع التَّمكينيّ والتّقييديّ في آنٍ واحد. فالقانون المقتصر على حقّ الضّيافة يمنح المواجهات بين الدّول والأجانب وضعًا قانونيًّا، وينبغي عليه أن يُحقّق ثلاثة أمور مختلفة:
تقديم الحماية للأشخاص المحتاجين إلى المساعدة، وعدم رفضهم، في حال كان هذا الرفض يعرّض حياتهم للخطر؛ تمكين الغرباء من تقديم أنفسهم، من أجل التواصل ومجاورة السكان الأصليّين وزيارتهم، وتقديم عروض التواصل العابرة للحدود. وأخيرًا المنع المطلق لاستعمار الشُّعوب غير الأوروبيّة.
وفي حين يركّز السَّلام الدائم في المقام الأوّل على مطالب الأفراد، تُضيف النظريّة القانونيّة مجموعات غير تابعة للدولة إلى قانون الشُّعوب، من دون إنكار الرعاية القانونية الفرديّة. فالعلاقة بين حقّ الزيارة، وحقّ التواصل، ومناهضة الاستعمار، تكمن في الواقع في أنّ كانط ينكر العلاقة بين حقّ الزيارة وحقّ الاستيلاء على أراضٍ غير مملوكة من أحد، كما كان الأمر في بدايات القانون الطبيعي الحديث (وكذلك في قانونه الخاصّ). وعلى النقيض من ديناميكيّة تكوين الدولة الناجمة عن عمليّة احتلال أوّليّ، فإنّ كانط يحظر الإقامة الأحاديّة الجانب تعسّفًا خارج الحدود. ولا يوجد إجماع في الأدبيات على ما إذا كان بذلك يصادق على ملكيّة سابقة للسكان الأصليّين (Stilz 2014)، أو يحامي عن تخلّي السكان الأصليّين عن عمليّة الاستيلاء الأُحاديّ الجانب (Niesen 2007)، أو أنّه يحترم بكلّ بساطة نظام ملكيّتهم وتملّكهم المختلف تمامًا، ومن ثم عدم توطّنهم (Flikschuh 2017b). ففي هذه القراءات جميعها، يهدف قانون المواطنة العالميّة إلى منع التعميم القسريّ للفكرة الأوروبيّة حول تكوين الدولة والحكم الذاتيّ.
يوجد في الأدبيات إستراتيجيّتان أساسيّتان تعملان على ربط عُنصريّة كانط بقانون المواطنة العالميّة، الأولى: هي أنّ كانط أصبح لاحقًا مناهضًا للعنصريّة وللاستعمار، وأنّه ابتعد عن وجهات النظر السابقة ذات الإشكاليّة.
هذا هو موقف بولين كلاينغلد التي تمثّل في وضوحها المفاهيميّ ما يشبه “المعيار الذَّهبيّ” للنّقاش (Zorn 2021)، وهذا ما ستتمّ مناقشته أولًا (1). وتفسّر القراءة الثانية أيضًا تفكير كانط على أنّه مترابط، غير أنّ عنصريّة كانط، بالنسبة إلى هذه القراءة، تدحض أو تقلّل من مناهضته للاستعمار. فموقف العنصريّة المناهض للاستعمار يقف معارضًا للمؤيّد العنصريّ لطرق التفكير الاستعماريّة، وسيتمّ التطرّق إلى هذه النقطة في الفقرة التالية (2).
وهناك قراءتي الخاصّة التي بموجبها أرى أنّ كانط لم يكن في المرحلة اللاحقة مُفكّرًا مُناهضًا للعنصريّة، بل كان مفكّرًا مناهضًا للاستعمار! وسيتمّ التوسّع في هذا الموقف في القسم الثالث (3). فنظريّتي هي أنّ مناهضة الاستعمار لدى كانط مترابطة منطقيًّا مع افتراضاته السابقة حول عدم قدرة الشعوب غير الأوروبيّة على التطوّر، بحيث إنّ انتقاده للاستعمار نابع من أسس فلسفيّة وإنسانيّة قانونيّة من جهة، ومن جهة أخرى من أسباب عُنصريّة.
إنّ قانون المواطنة العالميّة عند كانط هو مهر كونيّ لجميع الناس، وليس للأوروبيّين فقط
1 – تتمسّك كلاينغلد بشكلٍ واضحٍ بأنّها استلّت عُنصريّة كانط الطَّويلة الأمد مِن تقليله من قيمة الأشخاص غير البيض وليس من حُجّته أنّ هناك أربع مجموعات من البشر يُميّز فيما بينهم بناءً على أساس خصائص وراثيّة (Kleingeld 2007). وقد قام هوابينغ لو-أدلر، بالاستناد إلى أنتوني أبياه، بتعيين هاتين النظريّيتين حديثًا، وذلك للتمييز بين السلاليّة الطبيعيّة والعنصريّة المعياريّة (Lu-Adler 2023: 79-84). فجزءا النظريّة يمكن وضعهما وترتيبهما وفقًا لمؤلّفات ومراحل إنتاج مختلفة (Kleingeld 2014: 48f.; Eberl 2019). ومع ذلك فإنّ التَّمييز بين السُّلاليّة والعُنصريّة في حالة كانط لا يمكن فهمه إلا مِن النّاحية التَّحليليّة. ويمثّل كانط الاتجاهين من خلال استخلاص نظريّة عُنصريّة حول قدرات مجموعات مختلفة من البشر من مفهومه للسلاليّة البيولوجيّة الأوّليّة. وشخصيًّا أفهم عنصريّة كانط من ادّعائه أنّ هناك علاقة فوقيّة ودونيّة بين المجموعات البشريّة تقوم على قُدرات عقلانيّة غير متساوية متمايزة فيما بينهم بحسب السُّلالة، تضع لإمكانيّة تطوّرها عقبات لا يمكن تجاوزها، ويمكن قراءتها من خلال لون البشرة (انظر Kleingeld 2007: 577-582). في المقابل يبدو الحديث عن “الهرميّة السُّلاليّة” بالنسبة لي مضلّلًا طالما لم تتوضّح مسألة الاستعمار ومناهضته، إذ إنّ الهرميّة تعبّر عن العلاقة السُّلطويّة أو تقترحها على الأقلّ.
في الواقع يفترض كانط أصلًا مشتركًا للبشريّة، ولكنّه من الواضح أنّ النظرة الأحاديّة المنشأ في حدّ ذاتها لا يمكن أن تُحشر في أيّ معنى مناهض للعنصريّة، إلا أنّ جوهر نظريّته حول “العرق” يتمحور حول الاقتناع بأنّ تطوّر مجموعات مختلفة من البشر يفعّل “البذرة الكامنة” المتأصّلة فيها بطرائق مختلفة، ويضع سمات جسديّة وشخصيّة لا رجعة فيها تحدّد قدرتهم على التكوين الحضاريّ والحكم الذاتيّ السّياسيّ لكل مطلق. وفي حال تشكّلت هذه “البذرة الكامنة” عند جميع البشر بحكم العوامل المُناخيّة ودخلت في مرحلة “القوّة التوليديّة”، فلن يكون هناك أيّ تغيير ممكنًا بعد ذلك، حتّى ولو حدثت عمليّة “زرع” السُّكان بالكامل في مُناخ مختلف (II: 442). ومن أجل توضيح هذه الصورة تعيّن على كانط تقديم ادّعاءات قائمة على تجربة طويلة الأمد حول أُناس نُقلوا من مُناخ إلى مُناخ آخر، وهو نفسه لا يثق بقيمة هذه الادّعاءات على ما يبدو (VIII: 173).
إنّ الصِّيغة النَّمطيّة للاختلاف بين المجموعات البشريّة التي من خلالها يستحيل على الجميع أنّ يشقّوا الطَّريق إليها بالمستوى نفسه، كما يذكر كانط في مكان آخر، هي سمة لعلاقة عنصريّته بالأبحاث السُّلاليّة الطبيعيّة. وهكذا يفرض كانط نفسه في تقليد طويل للفكر الأوروبيّ الذي يعزو الفضل للأوروبيّين وحدهم في التشكّل الكامل للقدرات البشريّة الطبيعيّة، خاصّة قدراتهم العقليّة والأخلاقيّة7. ومع ذلك، وعلى العكس من أرسطو، فإنّ كانط لا يكتفي بالتمييز القائم على الثنائيّة بين الأوروبيّين وغير الأوروبيّين، إذ يدّعي أنّ هناك تصنيفًا عقائديًّا للبشر ذوي ألوان البشرة المختلفة. هذا التصنيف يقسّمه مثل لينيوس إلى أبيض وأصفر وأسود وأحمر. إنّ المقطع التالي الذي استُشهد به كثيرًا يعود إلى محاضرة قديمة في الجغرافيا الفيزيائيّة طُبعت أثناء حياته: “تتجلى الإنسانية بشكلها الأمثل في العرق الأبيض. الهنود الصُّفر لديهم قدر أقلّ من الموهبة، والزّنوج أقل من الصُّفر منزلة، والأدنى مستوًى بينهم هم الأمريكيون” (IX: 316). وفي أواخر عام 1788 مثّل كانط فكرة تقسيم البشريّة بحسب لون بشرتهم، مع الأفارقة الذين يملكون طبيعة “بطيئة” للارتقاء بسبب تكيّفهم المُناخيّ، ومع الأمريكيّين الأصليّين الذين لم يتكيّفوا بشكل كافٍ مع الظروف المُناخيّة (VIII: 176).
أما بالنسبة إلى الحُجّة التالية، فمن الأهميّة بمكان استخدام هذا المفهوم النظريّ البيولوجيّ للعنصريّة وليس تقنيعه بمفهوم “العنصريّة الثقافيّة” وفقًا لمفاهيمنا الحديثة (Fanon 2022: 46-48) الذي يسعى إلى استدراك التخلّف المزعوم من خلال البعثات التبشيريّة وإنشاء “ديكتاتوريات تربويّة”8. ليست التصريحات القائمة على التمييز فيما يتعلّق بالمستوى الحالي لتطوّر البشر ذوي ألوان البشرة المختلفة هي ما تُحدّد عنصريّة كانط، فنظرية الشَّرطيّة الفيزيولوجيّة الضروريّة ودوام الاختلافات هي سمة محاولة كانط المميزة للدفاع عن عُنصريّة مبنية على أساس علميّ.
تسلّم كلاينغلد بتفسيرات إيز (1994) وبرناسكوني (2001؛ 2002) ولارّيمور (1999) وميلز (2005) بأنّ شواهدهم على عنصريّة كانط خلال نشاطه الطويل في التأليف والتدريس مقنعة. وعلى الرغم من ذلك، فإنّها تعلّل إدخال قانون المواطنة العالميّة على أنّه يشير إلى تقدّم في التعلّم نشأ من تعامل كانط مع مُثُل الثورة الفرنسيّة العليا، الأمر الذي جعله يعيد النظر بقناعاته بتفوّق العرق الأبيض في تدويناته السابقة ومحاضراته حول الجغرافيا الطبيعيّة والأنثروبولوجيا، وكذلك مقالاته حول الأعراق البشريّة وصولًا إلى أوائل عام91790. يمكن لهذه الفرضيّة أن تكون مقبولة وصحيحة من الجهة التاريخيّة للمؤلّفات، فخطوة كانط من دعم الحكم الملكي الدستوريّ المطلق في عام 1793 إلى الدعوة إلى الدستور الجمهوريّ وفقًا للنموذج الفرنسيّ عام 1795 و1797، تشير وحدها على الأقلّ إلى التحوّلات الكبيرة في تفكير كانط خلال المرحلة الأكثر إنتاجيّة إبان نشاطه في نشر المواد الفلسفيّة القانونية والسياسيّة التي اكتسبت زخمها مع بداية عام 1790. وعلى الرغم من وجود شواهد مثيرة داعمة للموقف المناهض للاستعمار منذ عام 1795 فإنّ أساس هذه الشواهد ضعيف جدًّا للقيام بتحّول جذريّ في الرأي فيما يتعلّق بالتقييمات العنصريّة المتبناة منذ عام 1795، بحيث من غير الممكن التوصّل إلى استنتاج يتعلّق بهذه الناحية أو تلك10.
فليس هناك من شهادة مباشرة يمكن الرجوع إليها، بل إنّ الأمر لا جدال فيه بأنّ كانط لم ينأَ بشكلٍ صريح عن وجهة نظره السّابقة وأعاد طباعة مواقف سابقة أو قام بنشرها للمرّة الأولى دون إجراء أيّ تغيير عليها. وعليه فمن الواجب علينا مواجهة إمكانيّة وجود تقسيم عرقيّ للبشريّة في تفكيره، إضافة إلى المطالبة بمنح هذا التقسيم عتاد الكونيّة بحقوق غير متاحة.
وعلى الرغم من الجدال الدائر حول التغيّر الطارئ على آراء كانط في المرحلة اللاحقة يقدّم خيارين واضحين، إلا أنّها تُظهر عجزًا ونقصًا كبيرين، ذلك أنّه يعيّن لنفسه تقسيماته والبدائل لمفاهيمه للفلسفة الأخلاقيّة فقط، وليس لمفاهيم الفلسفة القانونيّة والنظريّة السياسيّة. ويتجلّى هذا الأمر في أنّ السؤال الرئيس لكلاينغلد الذي يطبع النقاش حتّى يومنا هذا، هو ما إذا كانط مفكّرًا كونيًّا متناقضًا أو مفكّرًا منطقيًّا لا يقول بالمساواة، يصبّ اهتمامه على “الأخلاقيّة الكونيّة”.
“هناك تناقض حقيقيّ بين الأخلاق الكونيّة لدى كانط، من جهة، وهي التي صيغت على أنها تنطبق بالتساوي على جميع البشر (حتّى على جميع الكائنات العاقلة)، وبين وجهات نظره بخصوص التسلسل الهرميّ العرقيّ ومختلف أوجه الموهبة المتدنيّة لغير البيض من جهة أخرى” (Kleingeld 2007: 576, 584)11. إنّ وجهة النَّظر القائلة بأنّ عُنصريّة كانط تثير مشكلة مُتسقة لنظريّة الأخلاق لديه، قد استرعت اهتمام العديد من النقاد. حتّى في المداخلات التي تفسّر تفكير كانط على أنّه عُنصريّ بشكل لا يمكن عِلاجه، كما هو الحال في المقالات ذات الوقع لتشارلز ميلز، فإنّ السؤال الأوّل هو عن كيفيّة تعامل الافتراض بتفوّق العنصر الأبيض مع الأمر المطلق، أي الفلسفة الأخلاقيّة: هل يتعلّق الأمر لدى غير الأوروبيّين بأنهم “دون البشر” لا يتشاركون في العقل العمليّ، ومن ثم لا يخضعون إلى حمايته الكونيّة؟ وفقًا لعبارة ميلز التي يصوغها بشكل استفزازيّ(Mills 2005; 2018; zur Einordnung Huseyinzadegan 2022).
إنّ تصوّرات كانط النَّظريّة العُنصريّة المتمحورة حول التطور الذي لا رجعة فيه لـ “البذور الكامنة” مناسبة من أجل استبعاد إمكانيّة وصول أشخاص عشوائيّين إلى معايير حضارية عشوائيّة.
لا تتطلّب هذه المسألة أن يتمّ حسمها هنا، لأنّ الأمر في هذا السّياق يتعلّق بالشخصيّة القانونيّة، لا الأخلاقيّة. فأحد الأمور المثيرة للجدل هو: إلى أيّ مدى هناك علاقة اشتقاقيّة بين فلسفة الأخلاق لدى كانط وفلسفته القانونيّة12. فأصحاب الحقّ هم، بالنسبة إليه، أشخاص تجريبيّون بلا مُنازع، وتعدّ “إنسانيّتهم” شرطًا أساسيًّا للتوفّر على حقوق قانونيّة “فطريّة” (VI: 237). يمكن للبشريّة في هذا المجال أن تعني أشياء كثيرة، بما في ذلك الانتماء إلى النوع نفسه (Niesen 2005: 52-60). فأصحاب الحقوق القانونيّة ليسوا بمرجعيات ترنسندنتالية كموضوعات الأخلاق، بل كائنات فرديّة حيّة، بقدر ما يُنظر إليهم على أنّهم متحرّرون من ربقة الظلم والتعسّف، ويمكن بعد ذلك أن تُحسب عليهم أفعالهم التي يقومون بها (VI: 223). ويجب إثبات أولًا، وعلى وجه الخصوص، أنّ السّمة المركزيّة للوضع الأخلاقي للبشر هي قدرة العقل العمليّ على أن يكون قادرًا بنفسه على الفعل، وهذا ما يُعدّ شرطًا أساسيًّا ليكون الشخص صاحب حقّ قانونيّ. فمنطق القاعدة القانونيّة يفرض أن يكون المرء قادرًا على تحديد أهدافه، كشرط كافٍ للتمتّع بحقوق فطريّة (Ripstein 2009: 33). وتعدّ القدرة على تقييد المرء لإرادته عبر العقل والتصرّف بعدها وفقًا لذلك، وعلى النقيض من التوجّه بالإكراه القانونيّ، بأنّها ليست الأمر الذي يجب إتقانه كشخصٍ قانونيٍّ كُفْء، كما يؤكّد لنا الفرق بين الأخلاق والمشروعيّة (VI: 214).
وحتى لو افترضنا، من باب الحجّة، أنّ الاشتراك بحقوق قانونيّة طبيعيّة (فطريّة) هو درجة أخلاقيّة مؤهّلة ضروريّة، على عكس الوضع القانونيّ البحت، فيجب على ذلك ألا يؤثّر في قانون الشُّعوب، في حال كانت قيوميّة قانون الشعوب لا تتبع الفرد في كونه سِمة “للفطريّة” المُتأصّلة فيه، بل نابعة مِن العُضويّة في الجمعيّ (هنا يحمل مُصطلح “الإنسانيّة” مَعنى مُختلفًا هذه المرّة، على أنه جمعي عامّ وليس مُصطلحًا تقسيميًّا عامًّا). إنَّ التَّأويل الأكثر تقدّمًا في الوقت الحالي يستنبط قانون الشُّعوب مِن الحضور المتزامن للبشر كأجسام مُمتدّة على بُقع مُختلفة مِن سَطح مُحدّد مِن الأرض. ويمكن الاستنتاج من واقع أنّه لا يمكن تجنّب الاحتكاك الماديّ بين سُكان الأرض فيما بينهم أنه لا يوجد شخص يقيم بطريقةٍ غير شرعيّةٍ في المكان الذي وضعته فيه حالة الولادة أو المُصادفة، وكذلك ليس لأحد الحقّ الأصليّ في أن يطرده بعيدًا، أو أن يُؤثر عليه (Huber 2022). ويمكن لهذه القراءة العلائقيّة أن تضمن عبر وسائل مَفاهيميّة بسيطة الجانب السّلبي لقانون الشّعوب– أي مُناهضته للاستعمار– من دون أن تُعبّر عن الوضع الأخلاقيّ للكائنات التي مُنحت التَّفويض. وكون قانون المواطنة العالميّة هو لجميع البشر، فلا يمكن تقويضه عن طريق المساءلة المتعلّقة بالذاتيّة الأخلاقية المساواتيّة. ومَع ذلك لم يتمّ حتَّى الآن تبيان ما إذا كانت سُلطة القانون الكونيّة تفرض نفسها أيضًا بالحقوق ذاتها وبشكلٍ شاملٍ. وقد تكمُن القيود في صلاحيات قانون الشُّعوب نفسه، أو في تصميمه القانونيّ. لذلك من المهمّ التأكيد على أنّ قانون الشُّعوب يُحدِّد، بشكلٍ دقيق، الصَّلاحيات الثَّلاث لجميع البشر (الاستقبال، حقّ التواصل، والدّفاع ضدّ الاستعمار)، ولكنّه لا يقف على القدر نفسه من المساواة مع مجموعة بشريّة كبيرة متساوية في الحقوق الإنسانيّة.
يمكن فهم التّحدّي الدائم لقانون الشُّعوب، قياسًا إلى افتراضات كانط العُنصريّة، اِستنادًا إلى حديثه عن التبعيّة المدنيّة أو الاستقلاليّة المدنيّة أو الطّبيعيّة في تصوّره للمواطنة. ففي مؤلّفاته الفلسفيّة القانونيّة لا يرى كانط أيّ تناقض في إجراء تصنيف بين النّاس بناءً على معايير طبيعيّة أو اجتماعيّة.13 فهو، على سبيل المثال، يستبعد الأطفال والنِّساء مِن حقّ التصوّيت بناء على “الطبيعة” الخاصّة بهم. وقد بقي تمييزه المُثير للجدل بين المواطنين النّشطين والمواطنين السلبيّين (الذين يحظون بالحماية القانونية، ولكنّهم فاقدون لحقوق المشاركة) منذ عام 1793 إلى عام 1797، دون تغيير (VIII: 295f.; VI: 314f.). على الرّغم من عَدم وجود إشارات في “السَّلام الدّائم” و”مَذهب الحقّ” إلى تجهيز تفاضليّ لصلاحيات قانون المُواطنة العالميّة، إضافة إلى أنّ الاستقلالية السياسيّة في قانون الشُّعوب- مُقارنة بحقوق المواطنة في الدولة- ليس لها أيّ دور (Williams 2007, Eberl/Niesen 2011, Kleingeld 2012)14. إلا أنه من غير الممكن استبعاد إمكانية وجود امتدادات مُختلفة لقانون الشُّعوب لدى مختلف من يحملونه. ومن ثم فلا يمكن تجاهل السُّؤال عما إذا كانت ذاتيّة قانون المواطنة العالميّة تقود مباشرة إلى المساواة القانونية في جميع الجوانب ذات الصلة. وسيُستأنف النّقاش في القسم الثالث. مع ذلك أثبتت الافتراضات بدايةً أن إدانة كانط للاستعمار يمكن أن تستند إلى مسؤولية قانونيّة كونيّة تتناقض مع المعايير الفلسفية الأخلاقية والنفسية الأخلاقيّة، على العكس من افتراضات كلاينغيلد وميلز.
مهما كانت القُدرات المختلفة التي يفترضها كانط للذاتيّة الأخلاقيّة لمجموعات البشر المختلفة، فإنّ هذه المَسألة لا يمكنها التقليل من شأن ذاتيّتهم القانونيّة العالميّة، فالمقارنة بين الكونيّة غير المتسقة وبين عدم التساوي المتسق في الأخلاق تُجيب عن الأسئلة المتعلقة بنطاق وتوسيع ومحتوى قانون المواطنة العالميّة.
2 – التفسير الثاني المحتمل هو أن كانط، حتّى في مؤلّفه المتأخّر زمنيًّا والموضوع قيد النظر هنا، يظهر في الوقت نفسه عنصريًّا ومؤيّدًا للتفكير الاستعماريّ، وأنّ الخطاب المتعلّق بقانون المواطنة العالميّة المُعالج هناك يحجب هذا الواقع. هذه القراءة الأكثر تدميرًا لتقييم فلسفة عصر النّهضة تَظهر في أعمال ج. ك. غاني ونيكيتا دهاوان، ونوعًا ما في أعمال إينس فالديز. تعتمد غاني على فئة “الاستعمارية” التي قدمها مؤلفو مرحلة ما بعد الاستعماريّة مثل أنيبال كيخانو ووالتر مينيولو، لتناقش فكرة أنّ كانط -على الرغم من أنّه معارض صريح للاستعمار- يجب فهمه كذلك على أنه مساهم رائد ممهّد للاستعمار.
لا يجب الخلط بين الخطابات الأوروبيّة وبين العنصريّة والاستعمار
تفهم غاني “الاستعمارية” على أنها “مصفوفة” شاملة تتألّف من الرأسماليّة، وتسلسلات هرميّة “عرقيّة”، ونظريات معارف عنصريّة؛ ولذلك يبدو لها أنّ عنصريّة كانط مناسبة من أجل تعريفه بأنّه مؤيّد فكريّ للاستعمار، على الرغم من رفضه الواضح له. فحتى عندما يقوم كانط بمعارضة الاستعمار فإنّ مؤلّفه يقف “متواطئًا في إنشاء الاستعماريّة”15 (Gani 2017: 439). وتلجم غاني نفسها عن اتهام كانط باستبعاد غير الأوروبيين صراحة من قانون المواطنة. غير أنه، من ناحية أخرى، فإنّ كانط لا يطالب بإدراجهم بشكل صريح وقاطع، مما يجعل السؤال حول مسؤوليتهم القانونية مفتوحًا. تفسّر غاني عدم وضوح كانط في هذه النقطة بأنه لم يتخيل أبدًا حصول غير الأوروبيّين على قانون المواطنة العالميّة: “لم يكن يرى احتمال القيام برحلات غير أوروبيّة على نطاق واسع، ومن ثم لم يرَ ضرورةً لذكرها في قوانين الضيافة الخاصة به” (Gani 2017: 443f).
إنّ انتقاد انعدام الحساسيّة تجاه سياسة الهجرة التي تتجاوز حماية الحياة والشخص، كما بيّنت سيليا بن حبيب، موجّه على الأخص ضدّ قانون المواطنة العالميّة لكانط بشكل عام. فـ بِن حبيب ترى أنّ حدود قانون المواطنة العالميّة الكانطيّ تكمن في “الهاوية” التي لا يمكن عبورها بين الحقّ في الزيارة المطلوب وحقّ الاستقرار المحجوب (Benhabib 2008: 47). لذا فإنّ عدم مطالبة كانط صراحةً بحقوق الهجرة الواسعة لغير الأوروبيّين لا يتعارض والتفسيرات المُعتادة لقانون المواطنة العالميّة لديه التي تُشير إلى أنه لم يطلب ذلك حتّى للأوروبيين. سأعيد إثارة هذه المسألة في القسم الثالث، مرة أخرى، حول ما إذا كان موقف كانط قادرًا على السماح بحقوق هجرة مُختلفة للأوروبيّين وغير الأوروبيّين.
وردًّا على غاني يجب أولًا الإقرار بأن هدف هذه المداخلة مُحدّد بشكلٍ أضيق مما تتطلبه مناقشة كوكبة شاملة من الحداثة المسماة “الاستعماريّة”. ومع ذلك فمن الواضح أن تفسير قانون المواطنة العالميّة بالكاد سيحقّق الاستفادة، إن تمّ افتراض وجود استعمارية وامبرياليّة متأصلة فيه، إذا لم يُثبت ذلك بشكل مستقلّ. إنّ الحديث عن “مصفوفة” الاستعمارية التي قدمها كانط لا يقدّم معلومات حاسمة، إذا كان السؤال في هذه المداخلة يركز على القدرة المتزامنة للعنصريّة ومكافحة الاستعمار. ولا جدال في موضوع أنّ “كتابات كانط كان لها دور حاسم في خطاب مقترن بسلطة استعماريّة تصنّف أجزاءً كبيرة من البشرية كأشخاص بلا ذاتٍ أو كأشخاصٍ من الدرجة الثانية” (Biskamp 2017: 280).
غير أنّ الأمر الوحيد الذي يمكن استنتاجه هو أنّ كانط حتّى كمفكّر مناهض للاستعمار، يمكن أن يتحوّل إلى داعم له، في حال كانت هناك علاقة تاريخية بين العنصرية والاستعمار. فالسؤال حول ما يعنيه، انطلاقًا من خلفيّة كتابات كانط النظريّة العرقيّة، إنشاءُ فئةٍ نظريّةٍ قانونيّة موجّهة في المقام الأوّل ضدّ فضيحة الاستعمار، لم يُناقش أصلًا.
يُظهر موقف كانط المعقّد أنّ مصطلح “الاستعماريّة” يتعلّق، بالمعنى الدقيق للكلمة، بانتقاد تصوّرات التفوّق الأوروبيّ بشكل مستقلّ تحليليًّا عن الموقف من الاستعمار. وتجدر الإشارة، من ناحية أخرى، إلى أنّه “لا يجب الخلط بين الخطابات الأوروبيّة وبين العنصريّة والاستعمار”. فبهذا يمكن تجنّب السؤال الذي يطرحه قانون الشعوب حول ما إذا كانت ثمة عنصريّة مناهضة للاستعمار، وربّما أيضًا توجّه مؤيّد للاستعمار، لكن مناهض للعنصريّة. من جهتها تحاول نيكيتا دهاوان أيضًا إثبات أنّ قانون المواطنة العالميّة صديقٌ للاستعمار بطريقة غير مباشرة، فهي ترفض أيضًا التفسير القائل بأنّ هذا القانون لا ينطبق على جميع البشر، وتتشبّث وعن حقّ برأيها أنّ “الاعتراف بالسود كبشر، ومنحهم وضعًا قانونيًّا يُخولهم التمتع بالحماية بموجب قانون المواطنة العالميّة، لا يعني أن كانط اعتبرهم متساوين مع الأوروبيّين البيض” (Dhawan2017: 494). هذه النقطة الأساسية، كما رأينا، صحيحة تحليليًّا، ومنطقيّة من جهة السيرة الذاتيّة للمؤلّفات؛ إلا أنّ دهاوان تتخلّف في التمايز حين تذكر، كنتيجة لمقالها: “تفضح هذه المقالة ادّعاء أنَّ الكوزموبوليتيّة الكانطيّة كانت مُضادّة للاستعمار”، وتتحدّث عن “مُعارضة كلاميّة فقط للاستعمار” (المرجع نفسه: 488، 495). وتستنتج من حقيقة رفض كانط للثورة أنّه يدعو أيضًا إلى حظر حقّ التّحرّر المُناهض للاستعمار.16 إضافة إلى ذلك تقول دهاوان إنّ القانون الدوليّ الذي وضعه كانط يُعارض استعادة الأراضي المُستولى عليها بالقوة، ومُعالجة الظُّلم التّاريخيّ (نفسه: 495). غير أنّ هذه الحُجج لا تبدو مُقنعة، لأنَّها تَخلط بين القانون الدُّستوريّ، والقانون الدَّوليّ، وقانون المُواطنة العالميّة. فلا يمكن الاستدلال من رفض كانط لحقِّ الثَّورة، حتّى لو انتهك الحاكم مبادئ الدُّستور، كما تقول دهاوان وكلينغيلد (2014: 61)، على أنّه يرفض حقّ التحرر الاستعماريّ الناتج عن انتهاك القانون. لا يمكن الاستدلال من النَّظريات القانونيّة الدَّوليّة حول الحروب ونتائج الظُّلم التّاريخيّ على وجوب قانون السَّلام أو قانون الحرب، ولا حتّى عَلى مُعاملة مُعيّنة في قانون الضِّيافة، إذ يُعدّ هذا الأخير فِئة مُستقلة في القانون العام.
إنّ قانون المواطنة العالميّة عند كانط هو مهر كونيّ لجميع الناس، وليس للأوروبيّين فقط.
وعلى العكس من ذلك، ونظرًا لتحديده الواضح نسبيًّا للمضمون القائم أصلًا في الحالة الطّبيعية العالميّة، يُمكن القول إنّ قانون المُواطنة العالميّة الدقّيق مُناسب لوضع حُدود للحقِّ الطّبيعيّ العالميّ غير المُحدّد. يُمكن أن يظهر ذلك في أنّه، في حالة الطَّبيعة، يُمكن التَّمسّك بِحقّ الحرب بين الدُّول، إذا شَعرت دولة بأنّها مُهدّدة بالخطر أو الأذى (VI: 346)، بينما يَستبعد قانون المواطنة العالميّة الاستناد إلى مثل هذا الحقّ. وأكثر من ذلك، فقد أُدخل قانون المواطنة العالميّة، كما أظهر كريستوفر ميكستروث (2018) في تفسيره البسيط جدًّا، من أجل منع الأوروبيين القادمين من الاستناد إلى حقِّ الحرب التقليديّ الذي كانوا يعتقدون أنهم يمتلكونه واستخدموه على مدى قرون.
إنّ تفسير دهاوان يفتقر إلى هذه الاختلافات، إذ إنها مثل غاني، تتحرّك في نطاق مفاهيميّ لا يمكن فصله عن العُنصريّة الاستعماريّة والاستعمار العُنصريّ. ومن ثم يعطي كانط موقفًا متسقًا يلقي ظلالًا من الغموض على كل معنى مُستقل لقانون المواطنة العالميّة.
أما إينس فالديز فَتقدّمُ نقدًا دقيقًا ينتمي إلى حقل ما بعد الاستعمار، إذ تعترف على مضض بموقف كانط المُناهض للاستعمار، غير أنّها ترى الحضور المُستمرّ للعُنصريّة في كتاباته وتآليفه.
يعترف كانط بشعوب غير أوروبيّة بوصفها أطرافًا متعاقدة متساوية الحقوق، لا ينبغي استغلالها أو الانتقاص منها (Valdez 2017: 831; vgl. VI: 266). غير أنّه يُعارض فقط وسائل الاستعمار ( الخادعة، القاسية)، دون أن يعارض أهدافه وإلا فسيقع في تناقض مع نظريّته حول التقدّم. “هذا لا يعني أن حماية السُّكان الأصليين هي غير مباشرة، ولكنّ القول بأن هذه الإدانات متوافقة مع التَّسلسل الهرميّ الحضاريّ هو اعتقاد كانط بأن توطين شُعوب مُتحضّرة في هذه البلدان قد يكون أكثر فعاليّة في تحقيق التّقدّم، حتّى لو كان يعلم أنّه في الفترة الزَّمنيّة التي يكتب فيها لا يمكن حدوث ذلك دون عنف، ومن ثم فهذا أمر لا يجوز” (نفسه: 831). بعبارة أخرى إذا لم تكن أساليب التّمدين العنيفة في العالم مقبولة يتعيّن على كانط أن يُفصح علنًا عن تأييده للاستعمار لأجل “الغرض الحسن”، وهذا سيؤثر، بشكل مماثل لدعمه السرّي للثورة الفرنسية التي كانت محظورة في حد ذاتها، على الحكم التقييمي للفعل المحظور (المرجع نفسه). وبينما تشير فالديز في تفسيرها إلى الاستعمار الاستيطانيّ، فإنّ توماس مكارثي صاغ الحجّة نفسها فيما يتعلّق بمستعمرات الهيمنة. إنّ حظر كانط للاستعمار يقطع الطريق أمام التوسّع الأوروبي، حتّى لو اعتبره وسيلة مناسبة بحكم قدرته على “نشر الثقافة، والحضارة، والقانون، والدّين الأوروبيّ في بقية العالم”، لمساعدة البشريّة ككلّ في مسارها نحو التقدم الحضاري، (McCarthy 2015: 107ff.).
يلفت مكارثي وفالديز الانتباهَ إلى ارتباط دراسات كانط الفيزيولوجية بتصوره التاريخي اللاهوتيّ القائل بأنّ البشرية لا يمكن أن تبلغ كمالها إلا من خلال نظام قانونيّ عالميّ (VIII: 24-28; VIII: 349). لكنهما لا يفسران حقيقة أنّ كانط لا يطرح “قانونًا مخوّلًا” لحالة الصُّعود المزعوم ذي الطّموح الاستعماريّ للدولة أو للثَّقافة. وبواسطة هذه الفئة يضع حلًّا في موضع آخر للمشكلة المتمثّلة في أنّ بدايات تكوّن العلاقات القانونيّة تمرّ عبر العُنف والسَّيطرة الأُحاديّة الجانب، بناء على رأي لكانط (VIII: 347; VI: 247; Brandt 1982). إلا أنّه، في حالة الغزو الاستعماريّ، لا يمكن حتّى “لنيّة تأسيس هذه العلاقات القانونيّة، ووضع هؤلاء الناس (المتوحشين) ضمن حالة قانونيّة”، العودة بالوراء إلى “حِجاب الظُّلم” الذي تُغلّفه هكذا تبريرات. (VI: 266).
تُقدّم فالديز في الأساسِ صِياغة لثلاثةِ براهين تهدف مُجتمعة إلى التقليل من أهميّة قانون المواطنة العالميّة. البرهان الأول يفيد بأنّ كانط رفض الاستعمار أساسًا لأنه يجلب الصّراع والحرب إلى علاقات الدُّول الأوروبيّة بعضها ببعض. وتدعّم هذه الحُجة بشكل قاطع انطلاقًا من نُصوص كانط والظّروف التاريخيّة المصاحبة لها،17 غير أنّها تضع كانط إلى جانب أبطال مناهضة الاستعمار الأوروبيّ مُرورًا بديدرو وسميث، وحتى بنثام الذين قدّموا مجتمعين مزيجًا من الأسباب والأسس الإنّسانيّة والاقتصاديّة والسّلميّة (Pitts 2006). ومن ثم فإنّ السؤال يطرح نفسه عما يمكن أن يعنيه ذلك بالنسبة لتفسير مُناهضة كانط للاستعمار، لأنّ محور الاهتمام الأوروبي بالسلام متوافق بشكل واضح اعتباراته الإنسانيّة والقانونيّة الطّبيعيّة. ومع ذلك لا يمكن الاستنتاج من استخدام حُجّة ذات مصلحة ذاتيّة، وخاصة حُجّة مُناهضة الحرب، أنّ الحُجج المُعياريّة الأخرى غير متوافقة معها، أو أنّها مُجرد مزاعم وقائيّة داعمة. ويكمن اختبار قياس موثوقيّة هذه الحُجة فيما إذا كان كانط يطالب بقانون المواطنة العالميّة حتَّى في حالة افتراضيّة مَفادها أن الاستعمار أصبح مسألة امبراطوريّة عالميّة واحدة، على غرار ما تُصوّره بنثام على سبيل المثال للهيمنة البريطانية العالمية (Niesen 2007).
ومع ذلك فإنَّ مِصداقيّة حقّ الزّيارة والحماية، ومَنع التَّدخل وقانون الاتصال والتّواصل العالميّ لا تعتمد على وجود صِراعات إمبرياليّة أو عدم وجود ذلك، ومن ثم فليس لبرهان فالديز أيّة قوّة إثبات وإقناع، لأنّ المصلحة الأوروبية الذاتيّة في تجنّب الحروب الاستعماريّة لا تبدو مُتعارضة مُطلقًا مع الحُجج المِعياريّة التي طرحها كانط. أما برهان فالديز الثاني فمفاده أنّ كانط يرفض الاستعمار بطريقة لا تقوم على التمييز ضدّ الشُّعوب غير الأوروبيّة. يناقش كانط في القانون الدَّوليّ فقط العلاقات بين الدّول الأوروبية، وهو يرفض الاعتراف بالدول غير الأوروبيّة باعتبارها شعوبًا غير تابعة لقانون المواطنة العالميّة. وتستند في ذلك إلى أنّ كانط يتحدث في المادة النّهائية الثالثة عن جرائم البريطانيّين ضد “الولايات” الهِنديّة، ويتناول انعزاليّتها، كما انعزاليّة اليابان والصّين في قانون المواطنة العالميّة (Valdez 2017: 824).
لقد قام كانط في الواقع بتوضيح نطاق القانون المدنيّ مقابل القانون الدوليّ على أنّه قانون بين الدول، لا يمكن تطبيقه على الصراعات مع الشعوب غير التابعة للدولة. ومع ذلك فإنّ الشعوب غير الأوروبيّة تتعرّض للأذى من قبل الاستعمار، بحيث لا يُعترف بها كمؤسّسة دولة من قبل القوى الأوروبيّة التي تتصرّف على أنّ هذه الدول غير موجودة بالفعل، كما في حالة الإمارات الهنديّة على سبيل المثال. فالاستعمار هو ظلم ملموس بين الشعوب، يستمدّ من نيّة الضمّ سُلطةَ التدخّل والاحتلال، وليس من الأضرار السابقة أو التي يُتخَوّف منها كما في حالة الحرب بين الدول (VI: 346).
وعلى نحوٍ مُماثل فإنّ النزاع المحتمل بين الصين واليابان اللّتين تدعّمان حدودهما أمام المبعوثين الأوروبيين، والدول الأوروبية، يتطرّق إليه كانط، وفقًا لفالديز، بشكل مُجحف في قانون المواطنة العالميّة بدلًا من القانون الدوليّ. إذ يجب أن يُنظر إليه باعتباره نزاعًا حول توسيع الضّيافة، مُستقلًّا عن الطابع الحكوميّ أو غير الحكوميّ للشعوب المعنية. لقد وقعت فالديز هنا في التباسٍ معكوس لالتباس دهاوان التي تستخلص استنتاجات من القانون الدوليّ لكانط حول صواب أو خطأ الاستعمار، بينما تصرّ دهاوان على استخلاص النتائج القانونية للاستعمار المخالف للطبيعة بشكل نظريّ من القانون الدوليّ، تصرّ فالديز، انطلاقًا من أسباب المعاملة بالمثل، على التعامل مع النزاعات المتعلّقة بالاستعمار، والتابعة بشكل منهجي إلى قانون الشعوب، في إطار القانون الدولي.
إنَّ مَفاهيم التعويق ليست غريبة عَن تاريخ تأسيس حُجج التَّسامح، غير أنّها لا ترتبط دائمًا بالتَّمييز.
ونجد أصداء برهان فالديز الثالث أيضًا لدى ميلز وكلاينغلد ومكارثي ودهاوان. هذا البرهان، على خلاف البرهانين السابقين، يجعلنا نقترب من الإجابة عن السؤال الأوّل. إنّ التحدّي الحقيقيّ لقانون المواطنة العالميّة، أي: إن كانت مُناهضة كانط للاستعمار يمكن أن تتعايش مع عُنصريّته، يتوقّف على ما إذا كان كانط يرفض الاستعمار لأسباب عنصريّة. وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ ذلك سيكون له تأثير كبير على معنى، وربما أيضًا على توسيع قانون المُواطنة العالميّة وامتداده. فإنَّ اعتقاد كانط مثلًا أنّه لا ينبغي على الأوروبيّين التوجّه إلى أقاصي العالم لكيلا يكون هناك إمكانيّة للزواج المختلط (McCarthy 2015: 91; Dhawan 2017: 494; Valdez 2017: 832)، فسنجد أنفسنا في هذه الحال مضطرّين للتشكيك في المعنى الكوني السَّطحيّ لحقّ الزيارة. وفي سياقٍ جانبي للقول فإنّ هذا البرهان لا يتوافق جيّدًا مع التفسير الذي يقول إنّ عداء كانط للاستعمار هو مُجرّد “بلاغة لفظيّة”. فإذا كان كانط يعارض استعمار الشُّعوب غير الأوروبيّة بسبب أفكار نقاء العِرق الأبيض، فإنَّ مُناهضته للاستعمار ستكون حقيقيّة، على الرغم من كونها مقيتة. يتطرّق كانط في سياق محاولاته القائمة على البحث في الطبيعة إلى موضوع وجود أكثر من “عرق” وإلى معارضته لعمليّة “الاختلاط” فيما بينها، لأنّ الأمر لو حصل لتراجعت قدرتها على التكيّف المُناخي. وأحيانًا يعارض أيضًا الزِّيجات المُختلطة، علمًا أنّ الشّواهد النّصيّة الأخيرة مُجزّأة وأقلّ موثوقيّة. في تأملاته في الأنثروبولوجيا، ينصح الإسبان في المكسيك بعدم “الاختلاط” مع السكان الأصليّين (XV: 878)؛ وفي الوقت نفسه، ووفقًا لهذه الملاحظات، لا يمكن توقّع الكثير من الأطفال الناتجين عن مثل هذه الزيجات المختلطة (XV: 598)، وهذا يعني أنهم قد لا يحتفظون بخصائصهم المعتادة في التكيّف، ويتجاوزون بالتالي القيود المفترضة في التطوّر. تستخدم فالديز نصًّا نُشر في وقت متأخّر يُعارض موضوع “الاختلاط”، غير أنّها تغفل عن واقع أنّ الاقتباس ليس من سياق النّقاش حول “الأعراق البشريّة”، بل من الصُّورة النَّمطيّة الأوروبيّة الّتي حسب كانط ترجع إلى التجهيز البيولوجيّ نفسه، ولكن بسماتٍ شخصيّةٍ مُختلفة (Valdez 2017: 832; vgl. VII: 320). فهذا الاقتباس يدينه بِضيق النَّظر وليس بدوافع عُنصريّة.18 ومع ذلك لا يمكن تجاهل السُّؤال حول ما إذا كان هدف تجنّب الزيجات المختلطة قد يحفز عنصريّة مناهضة للاستعمار.
بشكل عامّ يبدو لي الأمر متضاربًا، لأنّه يُدرج بذلك قانون المواطنة العالميّة حاليًّا لتوضيح شروط الضيافة وإرساء حقّ زيارة عالميّ. تعني الضيافة “حقّ مواطن الأرض… محاولة التواصل مع الجميع وزيارة جميع أنحاء الأرض لهذا الغرض” (VI: 352). ويعني هذا الأمر ألا يتعرّض أحد للظلم إذا تمّ التعبير عن عروض قانونيّة خاصة مثل الرغبة في الزواج ما وراء الحدود، فقانون المواطنة العالميّة لا يجعل الزواج بين الغرباء غير قانونيّ، على الرغم من عدم تنظيمه.19
في الملاحظات على “السلام الدائم”، يؤكّد كانط أنّ الزيارات مرتبطة أيضًا بالاستقبال والاحتواء تحت السقف نفسه، وأنّ السفينة والجمل يوفّران وسائل ثابتة ثقافيًّا لتخطي المسافات بين الشعوب (XXIII: 173). وتعني وجهة النظر التي عبّر عنها كانط مرات عديدة أنّ الضرورة الطبيعيّة تتطلّب استيطانًا كاملًا لسطح الأرض (انظر VIII: 364f)، وأنّ هذا، بسبب المُتطلّبات المُناخيّة المختلفة، يمكن أن يحدث فقط على أساس “البذور الكامنة” المكيّفة تكييفًا خاصًّا. يعني هذا أنّ إلغاء الاختلافات بالكامل (التي لا يتوقّعها على أي حال بسبب الميل والنُّفور) قد تكون لها نتائج سلبيّة، غير أنّ ارتفاع حالات الزيجات المختلطة لن يتعارض بشكل أساسيّ مع هذة “النيّة الطبيعيّة”.20
يكمن منطق قانون المواطنة العالميّة على وجه التحديد في زيادة التفاعل والتواصل العالميّين، ومن ثم في اتخاذ الخطوة الأولى نحو تحقيق مجتمع قانونيّ عالميّ، “للحق الإنسانيّ العام” مطلقًا (VIII: 360). ويعني ذلك النَّقيض للانعزاليّة التي يمكن أن تكون ذات دوافع عُنصريّة. ولا يجب التغاضي عن أنّ الأمر بيد الجهة المستهدفة أو المتلقّية، بحيث تُرفض طلبات الزيارة بموجب قانون المواطنة العالميّة.
3 – وتلخيصًا للبرهان حتّى هذه النُّقطة: إنّ مَسألة التفسير تكمن في قناعة كانط بتفوّق البشر البيض وتصنيفه للبشر ذوي البشرة الأخرى على أساس تصنيف مُتدرّج إلى جانب موقفه الصّارم في مُحاربة الاستعمار. في القسم الأول، تمّ إظهار أنّ التناقض المحتمل لفلسفته الأخلاقيّة لا يؤثر بشكلٍ مَعقول عَلى فلسفتهِ القانونيّة، بحيث يمكن افتراض أن حَمل مُواطنة قانونيّة عالميّة متساوية يعتبر مضمونًا نسبيًّا، بغض النَّظر عما إذا كان المرء يتبع فرضيّة كلاينغلد القائلة بأنّ كانط في مرحلة لاحقة ابتعد عن افتراضاته العنصريّة. ولا يعني ذلك ادّعاء توفّر مستوى متساوٍ مِن الحقوق يتجاوز حقّ المواطنة العالمية مع المعاملة القانونيّة المتساوية لتنظيماته القانونية.
في القسم الثاني رَفضتُ الحُجج التي تُشكّك بشكل أساسيّ في مُناهضة كانط للاستعمار انطلاقًا من نظرياته العُنصريّة المَنهجيّة وملاحظاته في محاضراته. ومن الصحيح القول إنّ للتفكير العُنصريّ دور مُهم في استراتيجيات التبرير التاريخيّة للاستعمار، ولكن هذا الاستنتاج يرفض مسألة التفسير عند تطبيقها على كانط. وسيكون الأمر مختلفًا لو كان التفكير العنصريّ في حالة كانط قد قدّم إسهامًا في تبرير معارضته للاستعمار. إنّ الطريقة الأخرى البديلة الأكثر نجاحًا لاستراتيجية التّفسير الثانية، حتّى لو كانت الأدلّة ضِدها في حالة تجنّب الزواج المختلط راجحة، هي إضفاء الطابع النسبيّ على حقّ المواطنة العالميّة فيما يتعلّق بتبريراتها المحتملة غير المرغوبة. وسأحاول في هذا القسم أن أبرهن على أنّ كانط يجمع عناصر تبرير أخرى مرفوضة دون أن ينأى بنفسه عنها. لهذه الغاية لا بدّ من توضيح أنّ “استخدام كانط لمفهوم (العرق) مترابط مع نظريّته المناهضة للاستعمار” (Eberl 2019: 407f.). ويزعم إيبرل أنّ كانط، منذ منتصف ثمانينيات القرن الثامن عشر، قد طهّر نفسه من كونه ممثّلًا للعنصرية ليصبح أحد ممثّلي السُّلاليّة الطبيعيّة. من ناحية أخرى، لقد بيّنت فيما ورد أعلاه أن السلاليّة عند كانط تحمل مضامين عنصريّة لا يمكن فصل بعضها عن بعض، بحيث لا يمكن له التخلّي عن الأخيرة والاحتفاظ بالأولى.21
أنّ النظرة الأحاديّة المنشأ في حدّ ذاتها لا يمكن أن تُحشر في أيّ معنى مناهض للعنصريّة
ومع ذلك يمكن الاحتفاظ بفرضيّة إيبرل بقراءة أكثر صرامة مفادها أنّ تعاليم كانط حول العرق لا تترابط فقط مع مواقفه المناهضة للاستعمار، بل تتناسق معها أيضًا. ولقد قدّمت صورة فيما سبق للبرهان البيولوجيّ الأوّليّ لذلك، لأنّ التصوّر حول تطوّر وراثيّ لا رجعة فيه للقدرات الفطريّة يستثني قدرة التطوّر المستقبلية للأشخاص غير الأوروبيّين. وبذلك فإنَّ التَّعميم الّذي قدّمه كانط بأنّ شُعوب إفريقيا وسكان أمريكا الأصليّين لا يمكنهم “حكم أنفسهم بأنفسهم” (XV: 878)، لم يكن يهدف فقط إلى عمليّة حصْر وتقييم معاصرة أو إشارة إلى تفضيل السّيادة الأوروبيّة، بقدر ما هو بيان استشرافيّ للمستقبل المحتمل الذي اعتمدت عليه دراساته البيولوجية.
في الواقع إنّ تصوّرات كانط النَّظريّة العُنصريّة المتمحورة حول التطور الذي لا رجعة فيه لـ “البذور الكامنة” مناسبة من أجل استبعاد إمكانيّة وصول أشخاص عشوائيّين إلى معايير حضارية عشوائيّة. في مقالته الأهمّ في هذا الموضوع، حول استخدام المبادئ اللاهوتيّة في الفلسفة لعام 1788، يؤكّد كانط على اقتناعه بأنّ سمات شخصية محدّدة مثل الكسل الفطريّ يمكن أن تكون موروثة بشكل دائم ولا يمكن تغييرها مثل لون البشرة (VIII: 174 fn.).
فهو بذلك يؤكّد رأيه السّابق بأنَّ التكيّف مَع الظُّروف المُناخيّة يجلب معه قيودًا وراثيّة، “لذلك يجب على البذور الكامنة الّتي وُضعت أصلًا في جذع سلالة البشريّة من أجل تكوين العرق أن تكون قد تطوّرت بالفعل في الأزمنة القديمة وفقًا لاحتياجات المُناخ إذا استمرّت الإقامة في المكان لفترة طويلة؛ وبعد أن يتمّ تطوير أحد هذه الصّفات في شَعب ما، فإنّه يمحو جميع البذور الأخرى تمامًا” (VIII: 105).
مِن الضَّروريّ عند هذه النُّقطة العودة إلى الأحكام المُسبقة المختلفة لدى كانط تجاه الأفارقة والسكاّن الأصليّين لأمريكا من ناحية، وتجاه الآسيويّين من ناحية أخرى. لقد سلّطت الضوء فيما ورد أعلاه على أن كانط يقوم بتصنيف هرميّ للأوروبيين وغير الأوروبيين وفقًا لـ “قدراتهم النفسيّة” (II: 253)، إذ يضع سكان شبه القارّة الهنديّة في درجة فوق الأفارقة، والأخيرين فوق سكان شمال أمريكا الأصليّين، وبشكل مماثل فإنّ تقديراته حول قدراتهم على تأسيس دولة وجمهورية يجب أن تُفهم على أنها تصنيف هرميّ.
وفقًا لنصوص محاضراته المتأخّرة يشكّك كانط في إمكانية تأطير سُكان كندا الأصليّين في حالة قانونية. يقول: “من المحتمل جدًّا أنّ هؤلاء المتوحّشين الكنديّين لا يمكن مطلقًا وضعهم في دستور قانونيّ” (محاضرة الجغرافية الفيزيائيّة، دوهنا 1792/ محضر238/ انظر Kleingeld 2014: 51). في المقابل يقوم بانحرافات فظيعة تجاه سكان شبه القارّة الهنديّة، فهو لا يقرّ لهم فقط بالطاعة المطلوبة لتنظيم الدولة (“إنه شعب سهل الانقياد وسهل حكمه”) انظر محاضرة دونهوف عام (1782)/ محضر 178/ وانظرKleingeld 2014: 46)،22 بل يصف “مجتمعاتهم بأنَّها دُول”، ويرى أن شُعوب الهندوس الأكثر تقدمًا بين العرق غير الأبيض … التي مع ذلك لا يمكنها الارتقاء إلى “مفاهيم مجردة” (Lu-Adler 2023: 64; vgl. XXV: 1175f.)؛ أما الهنود فهو لا ينكر عليهم بأيّ حال من الأحوال إنشاء حالة قانونيّة عمومًا. ومع ذلك فهو يعتقد أنَّ التطوّر السياسيّ في الصين والهند قد توقّف ووصل إلى حالة من “الجمود” من خلال تأسيس حكم استبدادي (XV: 597). لذلك كان من المنطقي أن نعزو لكانط فكرة الاستمراريّة غير الملائمة للأعراق المتنوّعة من حالة الدولة الأوّليّة مرورًا بالقانونية وصولًا إلى الحالة الدّيمقراطيّة.
وفي حين أنه يُشكّك في قُدرة سُكان الأمريكيّتين الأصليّين، وربّما الأفارقة، على تأسيس الدّولة ومن ثم على التّحوّل إلى الديمقراطية، فإنّ تشكيكه في ذلك، أي التحوّل إلى الديمقراطيّة، ينحصر فقط بالسكان الهنود.23 وستستند مناهضته للاستعمار مقابل شعوب الأمريكيّتين، وربّما الأفارقة، المفترض أن لا حكومة لها، إلى شكوكه حول إعادة إنتاجهم للدولة، حتى ولو تحت السلطة الأوروبيّة. وفي الدول القائمة، مثل الإمارات الهنديّة، فإنّ تشكيل سلطة أجنبيّة غير مقبول على كلّ حال. ومع ذلك فلن يكون التوجّه الإصلاحيّ نحو التطوّر الجمهوري الذي في فلسفة كانط قادرًا على محو العجز المِعياريّ لهيكليّة الدولة المنظّمة للعنف.
إذا كان كانط يُشكّك في إمكانيّة القدرة المحتملة على الحكم الذاتيّ، أو سيادة القانون، أو حتى في القدرة على تأسيس دولة مع أو دون وجود حكم أجنبيّ في بعض المجتمعات غير الأوروبيّة على الأقل، فإن هذا يمنحه سببًا كافيًا لاتّباع نهج مُناهض للاستعمار. غير أنّ هذا السبب، على النقيض من المصلحة الذاتية للأوروبيّين في تجنّب الحروب الاستعماريّة التي أشارت إليها فالديز، لا يمكن أن يوجد ويتوافق مع الأسباب المعياريّة المقبولة لتبرير أساس قانونيّ يدعو إلى المساواة. ولو استند كانط في حجته على هذا الأساس، فلا بدّ أن يؤدّي ذلك إلى زعزعة المفهوم السائد حتى الآن لقانون المواطنة العالميّة- كاعتراف بالانتماء نفسه إلى الإنسانيّة في اعتراف بالظروف المعيشية المختلفة، وذلك بسبب مضمونه التّمييزيّ.
ما مدى معقوليّة الافتراض بأنّ كانط كان يعارض الاستعمار لأنّه كان يرى أنّ إمكانيات الحداثة الثقافيّة والقانونيّة والسياسيّة والحضاريّة لبعض الشعوب غير الأوروبية، مثل الأفارقة وسكان الأمريكيّتين الأصليّين، محدودة بالضرورة؟ عندها سيكون موقفه المناهض للاستعمار، والحال هذه، خيارًا قائمًا على عدم التدخّل، الأمر الذي يتعارض مباشرة مع الآمال السياسيّة التنمويّة التي يربطها فيتوريا أو جيمس وجون ستيوارت ميل بـ”الديكتاتوريّة التربويّة” الاستعماريّة (شيفتسيك)، لأنّ كانط يرى أنّ توقّعات اللحاق بالركب وتوقّعات التحرّر اللاحق من البداية عديمة الجدوى لأسباب بيولوجيّة. وعلى أساس هذا الافتراض بعدم الجدوى، تطوّر نقده للمشاريع الاستعماريّة إلى اتّساق مخيف. هذا الافتراض أكثر تطرفًا من تفسير فالديز المذكور أعلاه الذي يرى أنّ كانط يعارض السيطرة الحضاريّة على الشعوب غير الأوروبيّة؛ لأنه لا يمكن تحقيقها إلا بوسائل وحشيّة، فهو يعارض الاستعمار (كونه مثل أيّة وسيلة أخرى يمكن تصوّرها) لأنّه ليس للاستعمار وسيلة مناسبة لتحقيق هدف كانط المفترض والمشروع، والمتمثّل في تنظيم الدولة وتحويله إلى جمهورية وتمدينه.
في الأدبيات النقديّة المُتعلّقة بالنّصوص “النّظريّة العرقيّة” لكانط يتمّ تمثّيل التّفسير المُستخدم في هذا القسم الذي يتعلّق بنظريّة “العرق” على نِطاقٍ واسعٍ، غير أنّها لم توضع حتّى الآن في سياق مُناهضة الاستعمار. هناك عدد مِن الأعمال الّتي تُنسب إلى كانط الاعتقاد والتَّصوّر بأنَّه كان يضع بعض الشُّعوب غير الأوروبيّة على المستوى المتساوي نفسه فيما يتعلّق بالقدرات العقليّة، غير أنّ هذه الأعمال تتجنّب استخلاص الاستنتاجات المُترتبة عن ذلك. يصوغ توماس مكارثي بوضوح أكبر من غيره، بأنّ كانط “خمّن التصوّر بأنّ الشُّعوب غير الأوروبية غير قادرة بنفسها على تحقيق إنسانيّتها بالكامل وخاصة إنشاء ذلك الدستور المَدنيّ العادل تمامًا الذي يُعد أصعب تحدٍّ يواجه الطّبيعة البشريّة” (McCarthy 2015: 48).
إنّ الانتقاد الموجّه إلى الاستقراء المتسرّع هو أمر مُختلف تمامًا عَن “خِداع الذّات الأخلاقيّ” للمُنظّر كانط.
ومع ذلك فهو يُناقش أنّ كانط يضع تاريخ البشرية كـ “قصّة قبيحة بنهاية سعيدة” من خلال اعتباره الاستعمار، كما سبق أن ذكرنا أعلاه، بمنزلة وسيلة مناسبة بفضل “انتشار الثقافة والحضارة والقانون والدين الأوروبيّين على باقي العالم” (نفسه: ص. 107 وما بعدها)، وهذا يبدو متناقضًا للغاية. فكانط يُنكر على الاستعمار شرعيّته، لكنّه في الوقت نفسه يقرّ به كقوّة تاريخيّة، كونه يحقّق أهدافًا لا يمكن تحقيقها وفقًا لرأيه؟24 يمكن العثور على تناقض مماثل في عمل لو-أدلر المُحكم والشامل، فهي تشير بوضوح مرغوب إلى أن كانط كان يعتقد بأنّ الفروقات بين مجموعات البشر ليست تدريجية ويمكن التغلّب عليها، بل كان يفترض “وجود هوّة لا يمكن تجاوزها ولا يمكن محوها بين العرق والآخر” (Lu-Adler 2023: 228). ومع ذلك فهي لا تؤيّد الرأي القائل بأنّ مهمة الحضارة الاستعماريّة، من وجهة نظر كانط، فاشلة بشكل متوقّع. غير أنّها، شأنها شأن فالديز، ترى أنّ “هذا التبرير لا يمكن تعميمه دون الموافقة على جميع الوسائل الرامية إلى أغراض حميدة” (المرجع نفسه: 226f.؛ الاقتباس الداخلي من الجزء السادس: 266). إنّ التعريف الأوروبيّ للاستعمار المقرون بتمدن الشعوب المعلن عنها على أنّها أقلّ شأنًا يؤدّي إلى التغاضي عن التناقض الداخلي المتمثّل في الجمع بين الرؤية العنصريّة، كرؤية كانط، والموقف الودي تجاه الاستعمار.
في الواقع يستفيض كانط في مناقشة حقوق الشُّعوب غير الأوروبيّة، بما في ذلك القوم الرُّحَّل أو البدو في مختلف القارات، بشكل مستقلّ تمامًا عن قدرتهم على التطوّر، أو عن الاتجاهات المحتملة لتطوّرهم. وبغضّ النظر عن التبرير غير المرغوب المحتمل، فإنّ ذلك يُظهر “موقفًا مِن الانفتاح الارتداديّ” تجاه الغربة والاختلاف الثقافييّن (Flikschuh 2017b: 349). وعلى النقيض من دو لاس كاساس وقبله فيتوريا، وكذلك من ميلز أو حتى ماركس بعده، فإنّ كانط لا يلمّح أبدًا إلى أنَّ الاستعمار قد يكون مُحفزًا للتطوّر الثقافيّ والتقنيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، ولا في أيّ موضع يعترف كانط بالافتراض الذي ذهبت إليه مكارثي وفالديز، أنّ الاستعمار يعد ظلمًا كبيرًا، ولكنّه يصبّ في مصلحة الشُّعوب المُستعمرة، إذ يمكّنها من تسلّق سلم التطوّر الحضاريّ. وهذا ملحوظ بشكل خاص لأن خطّة كانط من أجل نظام قانونيّ عالميّ تعتمد على انتشار متزايد للدولة والنظام الجمهوريّ والانضمام الطوعيّ إلى نظام قانونيّ عالميّ يشمل من خلال قانون المواطنة العالميّة، وبشكل وقائيّ على الأقلّ، الشُّعوب التي ليس لها مقوّمات دولة.
إنّ هذه القراءة المُقدَّمة هنا تدعو إلى معالجة عنصريّة كانط ومناقشتها باعتبارها متوافقة تمامًا مع رفض تبرير الاستعمار السّائد وحُسن النّيّة الذي يدّعي أنه يعمل على تطوير الشُّعوب غير الأوروبية. وبذلك فإنّي لا أدّعي بأيّ حال من الأحوال أنّ كانط يُقرّ بأسباب أخرى لاستعمار الشُّعوب غير الأوروبيّة التي لا علاقة لها بالتجديد والتمدن القانونيينّ والسياسيينّ العالميينّ. إنّ قانون المواطنة العالميّة يتعارض تمامًا مع حقيقة أنّ كانط كان قد نظر إلى اِستعباد السُّكان، أو استخراج الموارد، أو المنتجات على أنّه مبرّر للاستعمار، أو أنّ إنشاء الدولة في الأمكنة التي يبدو ذلك ممكنًا فيها من خلال الحكم الاستعماري الأجنبيّ سيُعد شرطًا كافيًا أو حتى مبررًا لاستخدام العُنف (انظر في المقابلVI : 266). وكما برهن إيبرل (2021) على ذلك، فإنّ كانط يتخّلى أيضًا عن الحجج الأخرى المُستخدمة في تاريخ الاستعمار المُتمثلة في الانتهاكات الأخلاقيّة المُفترضة والظّروف “الهمجيّة”، مِن خلال توجيه اتهام الهمجيّة إلى الأوروبيّين أنفسهم. وبذلك تقوم الشُّعوب التّابعة لدولة، والأخرى التي لا دولة لها، بأقلمة نفسها في تعدديّة نهائيّة لأشكال الحياة، ويحكم عليها كانط نفسه بناء على نمط التَّفوّق والدُّونيّة.
لذا فإنّه مِن الواضح أن نعزو إلى كانط نوعًا مِن مَفهوم التَّعويق للدفاع ضدّ الحكم الاستعماريّ، لأن هذا الأخير، وبحكم الشروط البيولوجيّة، يمكن أن يُبرّر الأهداف الرئيسة التي تبرّر بالأساس السّيطرة السّياسيّة، أي: إقامة الدّولة والنّظام الجمهوريّ والتّشريع الدّوليّ الّتي لم تتحقّق بالكامل في الشُّعوب غير الأوروبيّة. فلا شيء يؤيّد القيام بِمحاولة عنيفة لتحقيق هدف ما، في حالة كان تحقيق الهدف أمرًا مُستبعدًا. وعَلى العكس مِن ذلك، يكتسب السُّكان المَحليون حقوقًا قانونيّة لا يمكن الاستغناء عنها ولا قمعها، ولا تتغير أساليب حياتهم ومُمارساتهم الزّراعيّة، ويُتركون لينظّموا أنفسهم بكلّ حريّة حتَّى تحت عتبة تشكيل نِظام الدَّولة والنِّظام الدِّيمقراطيّ. وعلى نحو مُشابه لِصُورة التّبعيّة الطّبيعيّة أو المَدنيّة في القانون الدُّستوريّ، يجب حِماية هذه المَطالب التّابعة لقانون المُواطنة العالميّة في حالة عدم توفّر النُّضج البريء مِن جانبها. إنَّ مَفاهيم التعويق ليست غريبة عَن تاريخ تأسيس حُجج التَّسامح، غير أنّها لا ترتبط دائمًا بالتَّمييز. فعَلى سبيل المِثال، يُشير جون لوك إلى مَحدوديّة المعرفة البشريّة للتحوّل الاعتباطيّ مِن دين إلى آخر، ويرى أنَّ أولئك الذين لا يستطيعون القيام بِخلاف ذلك يستحقّون الاحترام (Locke 1996). ومن ثم فإنَّ السُّؤال هو: إلى أيّ مَدى يُمكن أن يؤثّر توسّع قانون المُواطنة العالميّة مِن خلال مِثل هذا التَّبرير البغيض؟
يمكن مُناقشة هذا السّؤال مِن خلال الاستقراء الّذي قامتْ به بولين كلاينغلد لقانون المُواطنة العالميّة. فكلاينغلد- وكما يفعل العديد مِن المُفسّرين الآخرين– تقرأ قانون المُواطنة العالميّة باعتباره مُصادرة لوضع اللُّجوء المحميّ الذي يسمح فقط بالترحيل في ظُروف مُحدّدة للغاية، غير أنّه لا يضمن حقّ الإقامة الدائم. وكما ذكرنا سابقًا، هناك “هوّة” بين وضع اللجوء العالميّ الّذي تمَّ التَّأكيد عليه وبين حقّ الهِجرة العام المَرفوض (Benhabib 2008: 47). فمن مِنطقّ الضِّيافة كحقّ للزيارة، ينبغي على الدُّول والأفراد أن يسمحوا بتقدّيم طلبات عالميّة مِن أجل التَّبادل والتَّشارك، على أن يتمتّعوا بحريّة قرار واسعة بشأن الاتصالات الّتي يقبلونها والمُحاولات الّتي يُقدّمها الأفراد للانضمام إلى “المُجتمع”. تحاول كلاينغلد على الأقل وضع حُدود لِمثل هذه القيود مِن خلال طرحها السُّؤال حول الأسباب القابعة وراء رفض اللُّجوء: هل هذه القيود تعسّفيّة؟ “هل الدُّول حرّة في رفض الأجانب لأسباب عُنصريّة، على سبيل المثال؟”.
وجوابها عَلى هذا السُّؤال مَفاده: “إنّ القانون الذي يقيم التمييز على أساس لون البشرة سيكون غير شرعيّ، بينما القانون الذي يمنع الأشخاص من دخول البلاد لبيع الأفيون أو نهب مواردها الطبيعية فليس كذلك” (المرجع السابق: 79). ووفقًا لبولين كلاينغلد فإنّ سبب استبعاد قيود الدُّخول والهجرة على أساس عُنصريّ يكمن في تبرير قانون المواطنة العالميّة، فإن رُفض مقدِّمو طلب اللُّجوء بناءً على لون بشرتهم فإنَّ هذا سينتهك حقّهم في التَّواصل، وإن رُفض طلبهم “لأسباب تعسفيّة فإنَّ الحقّ في مُحاولة إقامة التَّواصل سيفقد مَعناه” (المرجع السّابق: 79). ومِن المُهمّ التَّأكيد على أنّ الأمر هنا لا يتعلق بأسباب تقييديّة مُحتملة لاستضافة إنّسانيّة. وفقًا للتفسير المَذكور أعلاه، فإنّ النواة الأساسيّة لحقِّ المُواطنة العالميَّة عَلى أساس الضَّعف البشريّ (وليس فقط على أساس الاضطهاد السّياسيّ كما هو الحال في حقِّ اللجوء التقليدي، والقانون الدَّوليّ المُتعلق بعدم الإعادة القسريّة) قانونيّ لأفراد الجنس البشري، وليس خيريًّا، كما يُؤكّد كانط، بحيث يكون التقييد على أساس الانتماء الجماعيّ التَّعسفيّ أمرًا مُستبعدًا. ولا يتعلّق الأمر أيضًا بِحرمان الجميع من الحقّ في تقدّيم العروض وطلب التأشيرات وعرض طلبات التفاعل والقبول، إذا جاز التّعبير، بل إنّ الأمر سيُفرغ مِن مَعناه بالفعل إذا قرّرت دولة ما على سبيل المثال عدم قبول المُتقدّمين بالطلب من بلد ما، وقامت برفض طلباتهم بشكل نمطيّ ومبدئيّ.25 وإن افترضنا أنّ الدولة تستوفي الشَّرط الإنسانيّ وتضمن بشكل رسميّ الحريّة لتقديم الطَّلبات والتّواصل، فإنّ السّؤال الذي يُطرح هو ما إذا كانت السّياسات التي تُفسر حقّ الإقامة أو الاستيطان بطريقة تقييديّة عَلى أساس لون البشرة أو النسبة أو الأصل تنتهك قانون المواطنة العالميّة. بناءً على التّحليل المُقدّم هنا، فلم يعد مِن الواضح أنَّ قانون المُواطنة العالميّة الّذي وضعه كانط لا يمكن ربطه في صياغتهِ أو مَعناه بالقيود العُنصريّة على دُخول البلد والهجرة.
ومن ثم فإنَّ الأمر ليس كما هو في فرضيّة التبعيّة الطَّبيعيّة أو المَدنيّة، إذ ليس مِن المَقبول أن يتمتّع الفرد بحقوق أقل أو مختلفة، ولكن يظل هناك خطر تمييز قانونيّ عَلى الرّغم مِن هذه الحُقوق. وعَلى ضَوء الحُجج المُقدّمة، مِن المُرجح أن يقعَ عِبء الإثبات مَرة أخرى عَلى كاهلِ تفسير قانون المُواطنة العالميّة قائم على المُساواة العالميّة وليس فقط عَلى العالميّة.
4 – إنّ الملاحظة الختاميّة التالية لا يمكن لها سوى الإشارة إلى تأمّلات أوّليّة مؤقتة حول العواقب المُترتّبة علينا نحن المُعاصرين اليوم. إحدى العِبر الواضحة المستخلصة بالفعل مِرارًا، وتتضح أيضًا مِن البراهين المُقدّمة، هي الحاجة إلى تفسير التَّصنيفات العالميّة التي غالبًا ما تُحدَّد بتسرُّع مِن خِلال فهمنا الحالي للمُساواة الأخلاقيّة والسّياسيّة بين الأجناس والأصول وألوان البشرة، ويتمّ التوسّع بها لتشمل أوجه التّطبيق غير المُعتادة في تاريخ النَّظريّة. ولا يوجد ما يمكن قوله ضد التفسيرات المَنهجيّة، إذ لا ينبغي تمييع تاريخ النَّظريّة مِن النّاحية التّاريخيّة، ومع ذلك، وكما يُظهر قانون المُواطنة العالميّة لكانط، فإنّه مِن الواجب تفادي الخطر المتمثّل في تقوّيض مِثل هذه الاستقراءات والاستكمالات مِن خلال افتراضات أو أسباب مرفوضة غير مُكتشفة. بعد كلّ ما ذُكر نعلم أنّ كانط يعني بقوله الجميع عندما يتحدث عَن “الجميع” بِالنَّظرِ إلى قانون المُواطنة العالميّة. غير أنّه مِن الواجب اِتّباع النُّقاد أمثال غاني ودهاون وفالديز ومكارثي وإيبرل، في الرَّأي أنّه لا يقصد بذلك المساواة القانونيّة للجميع ولا حتّى قيمة الحقوق نفسها للجميع. إنّ الانتقاد الموجّه إلى الاستقراء المتسرّع هو أمر مُختلف تمامًا عَن “خِداع الذّات الأخلاقيّ” للمُنظّر كانط، وكذلك لقرائهِ الذي انتقدهُ ألفونس أليه؛ فهم يدّعون موقفًا أخلاقيًّا خاليًا مِن العيوب، ولكنّهم لا يدركون “مَدى اِنتشار [العُنصريّة] في نظام مُعتَقد شخص ما، ومقاومته للأدلة كما تتّضح إمكانية عدم ملاحظة الشَّخص للتناقضات الواضحة في تفكيره” (Allais 2016: 20). فلا يتعلق الأمر بانتقاد الكائنات القليلة الشَّفافيّة بالكامل أو تصحيح المواقف المُتناقضة. فالأمر يتعلق بالعثور عَلى الأسباب الخاطئة وإزالتها، حتّى في الحالات الّتي تتماشى مَع المواقف الجاذبة التي تحتلّ موضع الشكّ.
مِن أجل الإجابة على السؤال حول ما إذا كان ممكنًا ومجديًا الرَّبط بين النَّهج والمُقاربات في أيامنا هذه مَع قانون المُواطنة العالميّة لكانط، فمن الأهميّة بمكان التأكّد مما إذا كان قانون المواطنة العالميّة الذي يترابط منطقيًّا مع الأسباب التّمييزيّة مِن أجل مَنح المُطالبات القانونيّة، يحمل في ذاتهِ خصائص تمييزيّة. بَعدَ المُرور عَلى القراءتين السّائدتين، يُمكن القول إنَّ الفئة مُحرّرة بطريقة عالميّة، تشمل الانتماء إلى الإنسانيّة باعتباره معيارًا لتصميمات مُحدّدة بصرامة، ولكن بِنطاق ضيق مِن الحقوق، ولا تتضمن أيّ محتوى تمييزيّ صريح.
كما تُظهر مُناقشة مثال كلاينغلد حول القيود العُنصريّة أمام الهِجرة، فإنّها والحالة هذه يمكن أن تكون مَخفيّة إذا لم يُعثر على الأسباب الخاطئة والشَّك في مَدى صِحتها وقبولها. غير أنّ صلاحيّتها المُستمرّة –بوعي أو غير وعي– تدوم، أو على الأقل لا تتعارض مَع هذه الأسباب. يبني كانط اِنتقاداته على حُدود مُطالبات الإقامة القانونيّة الطّبيعيّة، ويشجب جرائم الاستعمار المُعاصرة باعتبارها مُمارسات عنفيّة لا يمكن إصلاحها. لذا فهو لا يحتاج إلى أسباب خاصّة به مُمكنة في وجه عدم جدوى الاستعمار، ولن يُؤثّر ذلك بشكلٍ كامل على برنامجه السّياسيّ العالميّ، ولكن يجب التَّوضيح أنَّ مِثل هذا البرنامج لا بدَّ لهُ مِن الاستناد إلى مُبرّرات أقوى، وخاصة وفِي المقام الأوّل، مِن تجنّب اشتقاق تضمينات تبدو بطريقة خادعة عَلى أنّها مُتساوية.
البروفيسور بيتر نيزن
هو أستاذ النّظريّة السّياسيّة في جامعة هامبورغ. ومِن عام 2006 إلى عام 2013 كان أستاذًا للنظريّة السّياسيّة وتاريخ الأفكار في جامعة “دارمشتات”. وفي عام 2007 كان عضوًا مؤسِّسًا لمجموعة التّميز المِعياريّة في جامعة غوته، حيث حصل على الدكتوراه في عام 1998، وتأهيل ما بعد الدّكتواره في عام 2005. في عام 2011 نشر مع أوليفر إيبرل مجلد المقولات- إيمانويل كانط: عن السلام الأبدي/ مقتطفات من المذهب القانونيّ. آخر منشوراته حول تشخّيص الانحدار الدّيمقراطيّ، ظهرت في المُجلد الخاص ليفياثان في عام 2023.
- استُخدم في هذه الدراسة صيغة المذكّر العامّ، وذلك من أجل عدم اتخاذ قرار لُغويّ مُتسرّع فيما يتعلّق بعالميّة الحقوق والتفويضات. وافتراضيّ هو أنّ جميع الأجناس يمكن ودون تمييز أن تستند إلى قانون المواطنة العالميّة لكانط، غير أنّ المسألة وكيفيّة تحديدها ينبغي لها أن تبقى مفتوحة هنا.
- تتميّز أعمالي السابقة حول قانون المواطنة العالميّة بتجاهل العلاقة المحتملة بين الأنثروبولوجيا العنصريّة والنظريّة القانونيّة العالميّة. لذا فإنّ ياسمين غاني توجّه انتقادها وبحقّ بالقول: “إنّ نيزن يسلّط الضوء على معاداة كانط للإمبرياليّة، لكنّ تحليله التفصيليّ يخدم أيضًا التأكيد على غياب أيّة مناقشة للمنطق العنصريّ الذي كان سائدًا في ذلك الوقت” (2017: 434). لقد دفعني التفكير في أعمالي إبان وضع هذه الدراسة إلى الرجوع إليها بشكل أكثر من المعتاد مهنيًّا.
- دليل متقدّم على المناقشة باللّغة الألمانيّة هو فيرلا 1997. انظر العرض الموجز للمناقشة لدى هيرب 2018. وقد استخلص أوليفر إيبرل استنتاجات مختلفة من التسلسل الزمنيّ وتطوّر التفكير لدى كانط (انظر Eberl 2021: 316-364).
- ثمّة قائمة موحّدة للدراسات باللغة الإنجليزية في جمعيّة كانط بأمريكا الشماليّة: مصادر ومراجع حول كانط والعرق والعنصريّة (تاريخ الدخول: 08 تموز 2023) https://northamericankantsociety.org/resources-on-Kant-race-and-racism
- حول تعليق تاريخيّ وتحليليّ، انظر Eberl/Niesen 2011: 114-118, 251-269. سأمتنع في هذه الدراسة، عن الاعتماد على تفسيري الذي تمّ توسيعه وتطويره في مكان آخر، بأنّ قانون المواطنة العالميّة الطبيعيّ الذي وضعه كانط يجب فهمه على أنّه مؤقّت، وتحويله إلى شكل إيجابيّ شامل (Niesen 2017). لن يكون بمقدوري تكرار التبرير، فقد أثيرت اعتراضات جديّة للغاية (انظر Ripstein 2021: 266-269).
- سترد الاقتباسات اللاحقة عن كانط بناء على الطبعة الأكاديميّة مع ذكر رقم المجلّد والصفحة.
- إنّ النموذج التاريخيّ الفكريّ هو التمييز الجينيّ البدائيّ الذي وضعه أرسطو بين الإغريق والبرابرة. انظر في هذا المجال: (Kraut: 2002 277-305).
- المثال التاريخيّ الفلسفي وكذلك التاريخيّ الواقعيّ، هو: جون ستيوارت ميل (انظر Schefczyk 2017).
- تمّ الدفاع عن فرضيّة كلاينغلد القائلة بأنّ كانط في مرحلة متأخّرة قد تحوّل إلى الراديكاليّة المناهضة للاستعمار بحجج مختلفة من قبل إيبرل (2019) وموتهو (2013: 181).
- مثال على ردة الفعل تجاه تفسير كلاينغلد انظر برناسكوني 2011.
- لا تشخّص لوسي آليه (2016: 5-6) التناقض بين عنصريّة كانط و”نظريّته الأخلاقيّة العالميّة”. هوابينغ لو-آدلر تعارض النظريّة بأنّ هناك تناقضًا بين عالميّة نظريّة كانط الأخلاقيّة وعلم الأعراق لديه، غير أنّ لو-آدلر لا يتناول الآثار المحتملة على الوضع القانونيّ للمجموعات البشريّة المختلفة.
- الدراسات التي تعارض هذه الفكرة: فيلاشيك (1997)، نيزن (2005)، وماوس (1992).
- لا يزال شيلد 1981 المرشد الأكثر شمولًا، ويمكن العثور حاليًّا على تفسير نقديّ متقاطع لدى باسكو 2022.
- يمكن القول بأنّ قانون التواصل العالميّ يجب أن يُفهم على أنّه “بديل سلبيّ” لقانون المواطنة على مستوى الدولة (كما ذكر بوهمان لأوّل مرة عام 1994). ومع ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ الاستخدام السياسيّ لحريّة الاتصال العالميّة هو ردّ فعل على انتهاك قانون المواطنة العالميّة (لأنّ انتهاك القانون في مكان ما على الأرض يشعر به الجميع VIII: 360). فردّ الفعل على عدم الامتثال يقع على مستوى مختلف عن صلاحيات الأولويّة التي نوقشت هنا.
- 15. تعود جميع الترجمات إلى مؤلّف الدراسة، طالما لا يُذكر غير ذلك.
- إنّ حديث كانط علنًا ضدّ إعادة الاستيلاء غير المبرّر يُمكن دحضه بالإشارة إلى المادة الأوليّة الثانيّة لكتابه “السَّلام الدائم” التي توضّح طريق العودة إلى الوضع القانونيّ الموجود سابقًا بين الدول. (VIII: 344, 347; vgl. auch Niesen 2014).
- إنّ حديث كانط علنًا ضدّ إعادة الاستيلاء غير المُبرّر يمكن دحضه بالإشارة إلى المادة الأوليّة الثانيّة لكتابه “السَّلام الدائم” التي توضّح طريق العودة إلى الوضع القانونيّ الموجود سابقًا بين الدُّول. (VIII: 344, 347; vgl. auch Niesen 2014).
- يذكر روبرت لودن (2002: 97) إشارة مماثلة مشكوكًا فيها حول استخدام المبادئ الغائيّة في الفلسفة، يتحدّث فيها كانط ضدّ “الاختلاط”، غير أنّه يشير فيها إلى زواج الأقارب وليس إلى الزواج المختلط.
- الفقرة الرئيسة هي أنّ المستعمرات، وبسبب افتقارها إلى النجاح الاقتصاديّ، لا تعمل إلا على “تأهيل البحارة على الأساطيل البحريّة، ومن ثم شنّ الحروب في أوروبا مرّة أخرى” (VIII: 359).
- انظر Niesen 2012: 07. لا أستطيع الخوض هنا في الجدل المعقّد حول مشكلة الصين واليابان. فهاتان الدولتان، بحسب كانط، “قامتا بمثل هذه المحاولة مع الضيوف [الأوروبيّين] وأغلقتا بطريقة حكيمة حدودهما أمام الأوروبيّين القادمين، أي: أمام القادمين بهدف الزواج (VIII: 359) – والتفسير السائد لهذا القرار هو بحكم تجربتهم مع العدوان الاستعماريّ (Williams 2007; Reinhardt 2019: 120-124)، الأمر الذي يبدو لي مقنعًا إلى حدٍّ كبيرٍ، ولكنّه لا يبرّر فرض حظر عامّ مُحتمل على التفاعل بين الدّول غير المستعمرة.
- يمكن العثور على توثيق مفصّل لحقيقة أنّ كانط يفترض دائمًا “ارتباطًا” بين لون البشرة الوراثيّ والخصائص النَّفسيّة الكُليّة عند لو-آدلر 2023.
- ذُكرت محاضرتا دونهوف ودوهنا بحسب توثيقهما من قبل أكاديمية برلين- براندنبورغ للعلوم، اُنظر: https://webarchive.bbaw.de/default/20210108100620/http:/kant.bbaw.de/base.htm/geo_base.htm ©Werner Stark
- يمكن أن أشير هنا بشكل تجريديّ إلى العلاقة بين دولة القوانين والدّيمقراطيّة بأنّ الدّولة لدى كانط هي تبرير مؤقّت. فالدولة تستمدّ شرعيّتها من توجّهها الداخليّ نحو النِّظام الجمهوريّ، أي: الاستبداد الدّيمقراطيّ الذي لا يمكن تأخير تحقيقه إلا في حالة عدم توافر الظروف الخارجيّة المؤاتية (VIII: 372ff؛ انظر ماوس 1992).
- . فيما يتعلّق بوجهة نظر كانط حول استعباد الأفارقة، قام مكارثي بسوق حُجّة مُتناقضة: “بالتماشي مع تصريحاته المتكرّرة حول الدُّونيّة المتأصّلة عند الأفارقة … وعدم قدرتهم الفطريّة على التسامي فوق حالة الطبيعة، يتمّ السماح بالاستنتاج هنا أنّ كانط رأى في العبوديّة، من وجهة نظر تاريخيّة تطوّريّة، واحدة مِن الشُّرور الّتي ساهمت في تطوّر الجنس البشريّ مِن خلال انتشار الثَّقافة الأوروبيّة، كعنصر من عناصر “مهمّتها الحضاريّة (McCarthy 2015: 111-112).
- حول مسألة القيود العنصريّة انظر فاين 2016.






















