قراءة في كتاب “ارفع الصوت عالياً. لماذا يمثّل خطاب الكراهيّة عنفاً حقيقيّاً؟ وكيف يمكننا وقفه؟”
لسوسن شبليّ، وزيرة الدولة السابقة للشؤون الخارجيّة في ولاية برلين والمفوّضة السابقة لولاية برلين في الاتحاد الألمانيّ، ومقابلة معها
في كتابها الصّادر في 29 مارس/ آذار عام 2003م عن دار فيلهلم غولدمان، تتناول المؤلّفة سوسن شبلي موضوع خطاب الكراهيّة، أي تعليقات الكراهيّة على منصّات شبكات التواصل الاجتماعيّ. ومنذ أن خرجت سوسن شبلي إلى الأضواء وأمام الرأي العامّ، كان عليها أن تتعامل غالباً مع مثل هذه التعليقات، وأحياناً مع عواصف المنشورات المقزّزة. تتحدّث شبلي في كتابها عن تعليقات الكراهيّة وعواصف المنشورات المقزّزة التي تعرّضت لها بنفسها، إضافة إلى قصص أشخاص آخرين مع هذا الموضوع. الكتاب مقسّم إلى عدّة فصول تتناول بكثير من التفصيل أشكالاً معيّنة من التمييز. والكاتبة شبلي، بصفتها فتاة مهاجرة قادمةً من خلفيّة فقيرة شقّت طريقها في السياسة، تتعرّض لوجوه مختلفة من التمييز، وحتّى لأشكال متعدّدة من التمييز في الوقت نفسه أحياناً. وتسمّى هذه الظاهرة بـ”التمييز المتعدّد الأشكال”. وتنقل سوسن شبلي في كتابها بصورة معبّرة تجاربها الشخصيّة مع تعليقات الكراهيّة وأشكال التمييز المتعدّد الأشكال التي خبرتها بشكل خاصّ، إضافة إلى التبعات المترتبة عليها. وحتّى الأشخاص الذين لم يتعرّضوا للتمييز، أو نادراً ما تعرّضوا له، يمكنهم فهم وضع سوسن شبلي وتفهّمه بطريقة أفضل من خلال معالجتها للمسألة في الكتاب. ومن خلال عرض وصفيّ للسيرة الذاتيّة يبدو محتوى الكتاب شخصيّاً للغاية، ويمكن الحصول على صورة للسيّدة شبلي لا يمكن رؤيتها عنها في عملها السياسيّ.
إن الحقد الذي يصل إلَّي عبر مواقع التواصل الاجتماعّي والقنوات الإلكترونّية لايمكن -أو بالأحرى- لا يجب وصفه على أّنه أري أو إسهام في نقاش أو خطاب، فالأمر لا يعدو كونه أسيد على شكل 1حروف
غير أنّ المقصود بالكتاب ليس وضع سيرة ذاتيّة، وهو أيضاً ليس كذلك، فجميع المعلومات المتعلّقة بشخص المؤلّفة وخلفيّتها تصبّ في خطّة الكتاب وتوضّح وجهة نظرها. ولكيلا يتسرّب في الكتاب رأيها الشخصيّ فقط، تعتمد السيّدة شبلي على العديد من المصادر المختلفة. إضافة إلى ذلك، فإنها تُجري حوارات مع أشخاص مختلفين على دراية بموضوع خطاب الكراهيّة، من بينهم، على سبيل المثال، ألكسندرا جيزيه (وهي عضو في البرلمان الأوروبيّ) وتشان يوجون (وهو محام مختصّ بتكنولوجيا المعلومات)، إضافة إلى فريق من شركة ميتا [المعروفة سابقاً باسم فيسبوك]. وبهذه الطريقة تحشد في كتابها إلى جانب تجاربها الشخصيّة خبرات أخرى، من دون أن يبقى الأمر متعلّقاً باستشهاد بحت بالمصادر. إلى جانب التوضيحات لبعض تعليقات الكراهية وتجارب التمييز وشرحها، تتتبّع الكاتبة أيضاً أسباب تعليقات الكراهية هذه على مواقع التواصل الاجتماعيّ، وتحاول التوصّل إلى بعض الحلول للمستقبل، وتصوّر ما يجب ويمكن القيام به، وفق رأيها، لجعل الفضاء الرقميّ أكثر متعة للجميع. إضافة إلى ذلك، فإنّها تسلّط النظر على الأمور التي أُقرت في هذا الاتجاه وإلى أيّ مدى ساعدت أو يمكن أن تساعد في المستقبل. يُلاحظ أن الموضوع بالنسبة إلى السيّدة شبلي يأخذ حيّزاً من اهتمامها وأنّها قادرة على التعبير عن مخاوفها بشكل جيّد. وتمكّن هيكليّة الكتاب الواضحة القرّاء من تتبّع المحتوى وفهم الإشكاليّة. حتّى بالنسبة إلى الأشخاص غير المعرّضين لخطاب الكراهية، فسيتّضح لهم بسرعة مدى التأثير الذي يمكن أن تحدثه تعليقات الكراهية على حياة إنسان، لا سيّما عندما يُنقل العنف الرقميّ إلى الحياة التناظريّة، فتحدُث على الاعتداءات الجسديّة. على الرغم من صعوبة تقبّل الموضوع في بعض الأحيان، فإنّ قراءة الكتاب تجري بطريقة سلسة وسهلة، فهو يتناول جوانب عديدة ومتنوّعة، ممّا يجعله ممتعاً لجمهور واسع من القرّاء. والموقف السياسيّ للكاتبة يبدو نافذاً نوعاً ما في كتاب شخصيّ كهذا، إلا أنّها لا تركّز على تصوّرها السياسيّ. ومن خلال اقتراحاتها لإجراء التغيير وصراحتها وصدقها فيما يتعلّق بتعاملها مع تعليقات الكراهية، فإنّ الكتاب يوفّر قدراً من التفاؤل بالنسبة لمعالجة خطاب الكراهية ومكافحته في الفضاء الرقميّ. وليس الكتاب مقتصراً على مجموعة واحدة من القرّاء، بل على العكس من ذلك، فحتّى لو لم يتعرّض شخص ما إلى الآن لخطاب الكراهية أو لم يتعامل معه سابقاً، فإنّ الكتاب يستحقّ القراءة، لكونه يوفّر نظرة ثاقبة إلى ظاهرة في عالم الإنترنت من الصعب عدم ملاحظتها. وفي أبعد تقدير، عندما تنتقل الكراهية من العالم الرقميّ إلى العالم التناظريّ فستصبح ذات صلة بجميع أفراد المجتمع ولا يمكن أو ينبغي تجاهلها بعد الآن.
وكان لمجلة الديوان الثقافية، هذا الحوار مع مؤلّفة الكتاب السيّدة سوسن شبلي:
– الديوان: برأيك، لماذا ما زال العديد من الدول متردّداً للغاية أو متأخّراً في إجراء تنظيم قانونيّ لتعليقات الكراهية والمعلومات الخاطئة؟
– شبلي: هناك العديد من الأسباب. لقد تغاضينا زمناً طويلاً، ولم نرَ مدى خطورة الفيسبوك وغوغل وتويتر على ديمقراطيّاتنا. إضافة إلى أنّ البعض لا يرغب في العبث مع عمالقة الولايات المتحدة الأمريكيّة.
– الديوان: ما الحلّ الذي ترينه للحدّ من تعليقات الكراهية وعواصف المنشورات المقزّزة؟ نرى منذ بعض الوقت، على سبيل المثال، مناقشات حول المطالبات بإظهار الاسم الحقيقيّ أو تشديد اللوائح القانونيّة. هل تعتبرين هذه الحلول فعّالة؟
– شبلي: لقد كنت لفترة مؤيّدة لمتطلّبات إظهار الاسم الحقيقيّ، ولكنّي أراه اليوم بطريقة مختلفة نوعاً ما، لأنّي أعتقد أنّنا بذلك نجعل مشاركة الناس مستحيلة أيضاً. هناك طرق أخرى للوصول إلى الجناة. هنا يأتي دور القضاء. الحكومة الألمانيّة الفدراليّة تُخطّط للتدخّل بشكل فعّال. فمع قانون مكافحة العنف الرقميّ ينبغي للمتضرّرين، في حالة انتهاك واضح للقانون، أن يكتشفوا في أيّام قليلة مَن كتب هذا المحتوى. ويجب توفّر الإمكانيّة للمحكمة بفرض أمر لتخزين المعلومات بعد تقديم الدعوى. فالهدف من تخزين البيانات هو إمكانيّة استخدام هذه البيانات التي تمّ التأمين عليها كدليل في إجراءات المحاكمة لاحقاً، وفقاً لوزارة العدل الاتحاديّة. فإن تمّ تطبيق ذلك بالفعل على هذا المنوال، فسيكون الأمر خطوة كبيرة في عمليّة مكافحة خطاب الكراهية. إنّ قانون الخدمات والأسواق الرقميّة، الذي سيصبح ساري المفعول العام المقبل في جميع دول الاتحاد الأوروبيّ، يهدف إلى تنظيم منصّات وسائل التواصل الاجتماعيّ بشكل أكبر. الأكيد والواضح هو أنّ شبكة الإنترنت ليست فضاءً متفلّتاً من القانون.
– الديوان: كيف يتعامل الأشخاص من أصول غير مهاجرة مع تصريحاتك أو تقاريرك حول تعليقات الكراهية؟ هل رأيت ردود فعل إيجابيّة مشجّعة أو سلبيّة مثبِّطة؟
– شبلي: أودّ ألا أميّز بين المهاجرين وغير المهاجرين، فأنا أشهد تضامن العديد من الأشخاص ذوي البشرة البيضاء، سواء على صعيد الأحزاب أو المجتمع، والرجال والنساء على حدّ سواء يدعمونني، إلا أنّ هذا التضامن يمكن أن يكون أقوى لجميع المتضرّرين. فهناك الكثيرون لا يزالون يلوذون بصمت عميق للغاية حين يرون تعرّض الناس للكراهيّة على شبكة الإنترنت. يجب علينا، كمجتمع مدنيّ بشكل عامّ، أن نصل إلى الأفضل في دعم الأشخاص المتعرّضين لخطاب الكراهية.
– الديوان: إلى أيّ مدى يمكن للمرء أو يفترض عليه أن يستعد لعواصف المنشورات المقزّزة في حال كان يطمح إلى حياة مهنيّة في المناصب الحكوميّة؟ وخصوصاً أيضاً فيما يتعلّق بالتمييز المتعدّد الأشكال الذي تعرّض ويتعرّض له؟
– شبلي: قبل كلّ شيء يجب على النساء اللواتي يطمحن إلى حياة مهنيّة في عالم السياسة توقّع أن يكنّ هدفاً للمحرّضين اليمينيّين. فالنساء ذوات المناصب في الحياة العامّة، واللواتي يتبوّأن مناصب في السياسة والمجتمع يفترض أنّها مناصب للذكور ويبرزن فيها، يتمّ التركيز عليهنّ بشكل خاصّ. هؤلاء النساء هنّ غالباً عرضة لمستوى من الكراهية والعنف الرقميّ بشكل غير عاديّ. وهنالك أدلّة أيضاً تؤكّد أنّ العنف الرقميّ الموجّه ضدّ النساء غالباً ما يكون انتهاكاً قانونيّاً أكبر قياساً بالعنف الرقميّ الذي يتعرّض له الرجال، وأنّ هذا العنف تجاههنّ غالباً ما يأخذ طابع المحتوى الجنسيّ. وفي هذا الإطار يعتبر التهديد بالعنف أداة شائعة، يضاف إلى ذلك عدم الاعتراف بالمؤهّلات. الأنكى من ذلك بالنسبة للنساء من الفئات المهمّشة، هو دخول العنصريّة هنا ومعاداة الساميّة والطبقيّة والأيديولوجيات غير الإنسانيّة الأخرى. على موقع تويتر وحده تتعرّض المرأة كلّ ثلاثين ثانية إلى المضايقة أو الإهانة أو التهديد.
– الديوان: تذكرين في كتابك أنّك تعرّفت إلى تيريزا بوكر من خلال عاصفة منشورات قذرة، لأنهّا وقفت إلى جانبك حين تعرّضت لهذه العاصفة. هل تعرّفت إلى أشخاص مهمّين أيضاً من خلال الكراهية على الإنترنت أو في معركتك ضدّها؟ في حال الجواب بنعم، هل ساعدك هذا الأمر فيما تقومين به؟
– شبلي: لقد تعرّفت على وسائل التواصل الاجتماعيّ الكثير من الأشخاص الذين أكنّ لهم التقدير، ولا سيما تويتر، وربّما لولا تويتر لما تعرّفتهم أو قابلتهم. لقد قمنا بإطلاق مشاريع وجمع تواقيع في عرائض لمساعدة أناس صوتهم غير مسموع جيّداً. لقد قمنا بالتخطيط لفعاليّات، ومن وقت لآخر أقوم بدعوة نساء إلى منزلي، تعرّفتهن على مواقع التواصل الاجتماعيّ، للحديث عن السياسة والمجتمع في إطار ملؤه الثقة. في البداية نشأت شبكة العلاقات مع بداية الفيسبوك، فكان جمع الناس بعضهم إلى بعضهم، وتخطّي الحدود بينهم هدفاً.
– الديوان: تدافعين في كتابك عن رأيك في أنّ وسائل التواصل الاجتماعيّ ليست مجرّد ساحة لعواصف المنشورات المقزّزة والكراهية، وإنّما مكان أيضاً لمنح الأشخاص الذين تعرّضوا للتمييز صوتاً. فهل هذا الأمر ممكن على الرغم من الكراهيّة التي قد يتعرّضون لها؟
– شبلي: لم يكن سهلاً على المجموعات المهمّشة أن تجعل صوتها مسموعاً. لوسائل التواصل الاجتماعيّ تأثير إيجابيّ أيضاً، فلولا تويتر ووسائل التواصل الاجتماعيّ لما سمعنا ربّما عن نساء ورجال يناضلون من أجل الحريّة والديمقراطيّة وتقرير المصير في إيران، ولولا الفيسبوك لما كان الربيع العربيّ بهذه القوّة والفعاليّة. والعديد من العائلات التي كانت مهدّدة بالترحيل من ألمانيا سُمِح لها بالبقاء لأنّ الناس على وسائل التواصل الاجتماعيّ عارضوا الأمر وأطلقوا حملات من أجل ذلك. وكذلك العديد من الحركات الاحتجاجيّة، وبعضها عالميّ، مثل حركة بلاك لايفز ماتر (حياة السود مهمّة)، نمت فقط من خلال وسائل التواصل الاجتماعيّ. ففي شبكات التواصل الاجتماعيّ تكمن قوّة ديمقراطيّة هائلة، ولكن تكمن أيضاً قدرة تدميريّة هائلة.
– الديوان: كيف يمكن العمل على رفع صوت المجتمع المدنيّ وجعله مسموعاً في الفضاء الرقميّ؟ أو من الأفضل المحاولة لدفع الأفكار المتطرّفة إلى هامش الخطاب العامّ؟
– شبلي: المهمّ هو أن نتوقّف عن التفكير بالعالم الرقميّ منفصلاً عن العالم التناظريّ، فكل منهما ينتمي إلى الآخر، وفي وقتنا الحالي تتواصل نصف البشريّة عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ بمعدّل ساعتين ونصف يوميّاً. كما يجب علينا التوقّف عن اعتبار العنف الرقميّ أمراً ثانويّاً تافهاً. الكراهية على شبكة الإنترنت تقتل. أتمنّى لو يفكّر الناس في سلوكهم على وسائل التواصل الاجتماعيّ ليدركوا أنّ الكراهية تجاه أفراد لا تصيب فقط المتعرّضين لها. فالأمر يعنينا جميعنا، يعني ديمقراطيّتنا وتعايش بعضنا مع بعض، وسلامتنا وحياتنا كلّها. إنّ كتابي هو دعوة للمجتمع المدنيّ للتوقّف عن لعب دور المراقب. يجب أن نرفع الصوت عالياً وأن نتدخّل ونظهر الشجاعة المدنيّة الأخلاقيّة، فإن تعرّض أحد ما للضرب في الشارع، لا يتمّ تجاهل هذا الأمر عادة، بل يتمّ التدخّل والاتصال بالشرطة على الأقلّ. فليس عبثاً اعتبار عدم تقديم المساعدة جريمة جنائيّة.
– الديوان: سيّدة شبلي، شكراً جزيلاً على وقتك وإجابتك عن أسئلتنا.
المصادر:
Chebli, Sawsan (2023): LAUT – Warum Hate Speech echte Gewalt ist und wie wir sie stoppen können. 1. Auflage. S. 13. München: Wilhelm Goldmann Verlag
شبلي، سوسن (2003): ارفع الصوت عالياً – لماذا يمثّل خطاب الكراهيّة عنفاً حقيقيّاً وكيف يمكننا وقفه. الطبعة الأولى، ص. 13. ميونخ: دار فيلهلم غولدمان
مارلين نوسباوم
باحثة ألمانيّة، متخصّصة بالدراسات الإسلاميّة. أكملت دراستها في مجال الدراسات الآسيويّة في جامعة بون، ويتمحور اهتمامها في المقام الأوّل حول الظروف المعيشيّة للمرأة في منطقة شمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربيّة مع تركيز خاصّ على أخلاقيّات الطبّ وقضايا الإنجاب والأمور المتعلّقة به.