منذ العصر الرومانسيّ ثمّة تراكمات متكرّرة في الأدب الأوروبيّ لأشكال الخطاب المتعلّق بالتكنولوجيا والجنوسة (الجندر). فغالباً ما يتمّ تخيّل الدّمى أو الماكينات التي تُشبه البشر في أشكالها على أنّها نساء.
ويُفترض بهذه الأشكال أن تُجسّد رمزاً وموضوعاً للحبّ أو دور العاشقات المثاليّات، كما هو حال “أولمبيا” -كمثال من الأدب المتأخّر زمنيّاً– في قصّة “رجل الرمل” من عام 1816 للكاتب الألمانيّ إ.ت.أ. هوفمان؛ أو كما هو الحال مع الجينويد، أو الرّوبوت عَلى شكلٍ أنثويّ، في رواية “حوّاء المستقبليّة” من عام 1886 للكاتب الفرنسيّ أوغست دي فيليي دي ليل-أدام. وغالباً ما تمّ الرّجوع إلى التطوّرات التقنيّة المعاصرة من أجل وصف هذه الشّخصيّات. فـ إ.ت.أ. هوفمان يستشهد، على سبيل المثال، بآلة لِصانع الساعات السويسريّ هنري-لويس جاكي-دروز، ذات شكل بشريّ وتتخّذ صورة عازفة بيانو وتحرّك أصابعها أثناء العزف. وخلافاً لأولمبيا فإنّ دي فليي دي ليل-أدام يعالج عبر هادالي [حوّاء المستقبليّة] موضوع اختراع الفونوغراف، أحد أوّل المسجّلات الصوتيّة، الذي أُعلن عنه قبل بضع سنوات من الرواية1.
وفي حين كان الأمر في القرن التاسع عشر يدور في المقام الأوّل حول شخصيّات المخترعين هذه ورغباتها، فقد بدأ الضوء يُسلّط في بداية القرن العشرين على الشخصيّات النسائيّة الاصطناعيّة. فبدأ تصوير “الجينويد” أو الروبوتات النسائيّة بسِمات مخيفة ومهدِّدة؛ لكونها تجمع بين موازين قوى يتمّ إسقاطها على النساء من جهة، وعلى الآلات أو التقدّم التقنيّ من جهة أخرى. إنّ نموذج “المرأة المغوِية القاتلة” ظاهر بالفعل وبشكل ملحوظ في أدب القرن التاسع عشر، ويصوّر مجازيّاً خوف الرجال من فنون الإغواء الأنثويّة، أي الخوف من الوقوع في براثن المرأة وتحت سيطرتها. وكما بيّن كلاوس ثيولايت في كتابه “تخيّلات الرجال”، فإنّ هذا التصوّر يقترب أيضاً من صورة المرأة في تخيّلات الذكور الفاشيّة. ويتجلّى ذلك بشكل خاصّ في صورة “المرأة الحمراء”2 [الشيوعيّة] المرتبطة بالتهديد وفِقدان السيطرة على نفسها، التي يضع ثيولايت أمامها صورة مناقضة لها وهي صورة “المرأة البيضاء”3 التي تمثّل الزوجات والممرّضات والأمّهات. توضّح مسرحيّة “آر.يو.آر” [روبوتات روسوم العالميّة] في عام 1921م للكاتب التشيكي كارل تشابيك مدى تخيّل خطر الآلات والتقنيّات. لقد أطلق تشابيك مصطلح “روبوت” على الكائنات الآليّة الشبيهة بالبشر. وتعني كلمة “روبوتا” باللغة التشيكيّة العمل أو العمل بالسخرة. ففي مسرحيّته تظهر الروبوتات على أنها عمالة رخيصة تُكلَّف بمهامٍّ أكثر فأكثر، إلى أن تحلّ في النهاية محلّ البشر وتحكم العالم. وتندمج هذه الصورة للآلة الخطرة المهدِّدة مع صورة المرأة الخطرة المهدِّدة في شخصيّة واحدة، كما هو الحال مع شخصيّة ماريا في فيلم “ميتروبوليس” عام 1927 لفريتس لانج. فالنسخة الروبوتيّة عن ماريا البشريّة تغوي الجماهير، ولكن قبل أن تتمكّن من أن تودي بالبشر إلى الهلاك المحتمّ، تتدخّل ماريا الحقيقيّة، صورة الأمّ والمرأة “البيضاء”.
وتظهر بشكل متباين هذه العلاقة بين المرأة والآلة في الدافع الفنّي لـ”الآلات العزباء” الذي صاغه مارسيل دوشامب وتلقّفه كتّاب من بعده مثل رايموند روسيل وألفريد جاري وفرانز كافكا4؛ فهذه العلاقة حاضرة بشكل خاصّ في الأدبين الألمانيّ والفرنسيّ إبّان العقد الأوّل من القرن العشرين. فالآلات هنا لا تأخذ أشكال النساء، إلا أنّها تحلّ محلّ النساء بطرائق مختلفة، حتّى ولو كانت تمثّل في المبدأ الأوّل استعارة دلاليّة لمصطلح الفنّ والتأليف المستقلّين. إنّ الرفض الموجّه للمرأة لا يحدث هنا انطلاقاً من الخوف من قدرتها وقوّتها، بل كتصميم بديل للأيديولوجيّة البورجوازيّة للزواج والعائلة5. فـ”الآلات العزباء” هي أجهزة غامضة تتداخل فيها شخصيّات المخترعين في الروايات بعلاقة مشابهة لتداخل الكاتبات والكتّاب مع أدبهم.
إنّ الرفض الموجّه للمرأة لا يحدث هنا انطلاقاً من الخوف من قدرتها وقوّتها، بل كتصميم بديل للأيديولوجيّة البورجوازيّة للزواج والعائلة5. فـ”الآلات العزباء” هي أجهزة غامضة تتداخل فيها شخصيّات المخترعين في الروايات بعلاقة مشابهة لتداخل الكاتبات والكتّاب مع أدبهم
ولقد تبدّل الوضع المذكور في الفرضيّة المطروحة هنا في الأدب المعاصر، أي بعد مئة عام. فرواية “الليل كان شاحباً والأنوار أومضت” للكاتبة إيما براسلافسكي، وكذلك رواية “ابتداع العصيان” للكاتبة مارتينا كلافاديتشر -التي سنتطرّق إليهما بالتفصيل في ما يلي– هما روايتان كتبتهما نساء، ومن ثم لم تنبت شخصيّات العَملَين من “تخيّلات الرجال”6. لا يعني ذلك أنّ النساء لا يمكنهنّ تخيّل نساء روبوتات أو آلات عزباء خطيرة ومهدِّدة7 أو اختراعها، إلا أنّ النقطة المرجعيّة بالنسبة إلى القارئات والقرّاء تختلف لديهم عندما يكون النصّ منسوباً إلى اسم مؤلّفة أنثى.
كما هو حال العديد من الرّوايات التي تُنشر حاليّاً، تتناول الروايتان التطوّرات السريعة الراهنة في عالم الرقمنة والإمكانيّات والأسئلة التي يطرحها علينا ما يسمّى بـ “الذكاء الاصطناعيّ”. وهما تعالجان التعايش الراهن والمستقبليّ بين البشر والآلات. وهكذا يُلاحظ الآن في أنّ النساء والآلات أو الرُّوبوتات، في نموذج الروايتين، لم يعد يجتمع بعضها ببعض بطريقة فاسدة مخيفة قائمة على التمييز أيضاً: فالنساء الرّوبوتات لم تعد خطرة ومُهدّدِة، وهي في الوقت نفسه ليست كائنات وضيعة لتُستَغل وتُستَعبد على أنّها يد عاملة رخيصة، لكيلا تكتسب الكثير من القوّة والقدرة على البشريّة. إنّ العلاقة بين النساء والرّوبوتات لدى إيما براسلافسكي ومارتينا كلافاديتشر قد أضحت عبارة عن مساحة من الاحتمالات تعد بالحريّة والتمكين الذاتيّ بعيداً عن مفهوم توزيع المهام بين الجنسين. تروّج رواية “الليل كان شاحباً والأنوار أومضت” الصادرة عام 2019 للكاتبة البرلينيّة إيمّا براسلافسكي لنفسها على الصفحة الخلفيّة للغلاف بالسؤال التالي: “ما الذي يخيفكم أكثر، امرأة ذكيّة أو آلة ذكيّة”؟ والسؤال هو اقتباس معدّل قليلاً من الفصل الثاني للرواية، على لسان بطلتها روبرتا. فروبرتا، وهي نفسها آلة ذكيّة ذات شكل أنثويّ، ينبغي أن تصبح من المستقبل القريب أوّل آلة ذكاء اصطناعيّ تعمل لدى الشرطة الجنائيّة في برلين.
بصفتها الأولى من نوعها8، كما تصفها الرواية، تخضع روبرتا لتشغيل اختباريّ ليتمّ البتّ في مسألة ما إذا كان بإمكان الإنسان الآليّ المساعدة في أعمال الاستقصاء. فالسؤال المطروح في غلاف الرواية تطرحه روبرتا في نهاية الفصل الثاني من الرواية، وتلخّص به ما شهدته في ساعاتها الأربع والعشرين الأولى بين الناس. فإثبات النفس في الخدمة ليس المشكلة الحقيقيّة، فروبرتا مجهّزة ببرامج وبشيفرات دخول إلى المعلومات تجعل مهاراتها التحليليّة والاستنتاجيّة أعلى بكثير من مهارات زميلاتها وزملائها. كآلة يجب عليها اجتياز التشغيل الاختباريّ الصعب للغاية أمام بشر يخشون أن تتمّ إزاحتهم جانباً. وتعتقد روبرتا أن هذا الخوف له علاقة بخوف الرجال (والنساء) من النساء، وبدقّة أكثر: الخوف من الوقوع تحت هيمنة الإثارة الجنسيّة الأنثويّة، أو كما تسمّيه روبرتا بـ “الخوارزميّة البدائيّة الفائقة”9. مع هذا التحديد المتوازي للدور الاجتماعيّ للنساء والآلات، فإنّ إيما براسلافسكي توجّه استعارة الصندوق الأسود باتجاه الصراع بين الجنسين الذي يلقى رواجاً في الخطاب الراهن حول الذكاء الاصطناعيّ10، فمنذ أن أضحت الآلات قادرة على التعلّم مع اكتشاف ما يُسمّى بالشبكات العصبيّة في بداية القرن الحادي والعشرين، فهي تفلت بشكل متزايد من تحكّم البشر فيها. ويعترف مطوّرو البرامج صراحةً أنّهم لا يعودون قادرين على فهم برامجهم التي وضعوها بأنفسهم بعد أن تعمل لمدة من الزمن، وغالباً لا يستطيعون استيعاب كيفيّة توصّل الخوارزميّات إلى قرارتها وحلولها، التي تبدأ بعد ذلك بإجراء عمليّة إعادة الحساب إلخ.. في خطاب الذكاء الاصطناعيّ يدور الحديث حول “حالة جديدة للبشريّة”11 من الواجب التوصّل إلى عمليّة تقييمها.
ويُفترض بالمحقّقة الخاصّة التي تعمل بنظام الذكاء الاصطناعيّ، واسمها الكامل روبرتا كول12، أن تحقّق المزيد من النجاح للدائرة المختصّة بحالات الانتحار في الكشف عن العديد من عمليّات الانتحار التي تهزّ مدينة برلين. يعني ذلك، في المسار الأوّل، أنّه يجب على روبرتا أن تعثر على أقارب المنتحرين أو المقرّبين منهم وتلزمهم بتحمّل نفقات الدفن. وتنشد مدينة برلين من خلال ذلك انخفاضاً في مصاريفها الإداريّة التي ازدادت بسرعة فائقة.
يبدأ الحدث السرديّ عشيّة دخول روبرتا في الخدمة. وحيدة في سكنها في شقّة الموظفين تتفحّص روبرتا جسدها العاري، ولكن المليء في الواقع بالبيانات والمتصل على الدوام بشبكة الإنترنت، غير أنّها لم تخزّن شيئاً بعد في “حافظة البيانات” الخاصّة بها. يعكس اختيار الكلمات هنا شعور هذه الشخصيّة بالضيق: “العطش الوحيد الذي شعرت به روبرتا كان العطش إلى الهويّة. لقد كانت في الواقع مترعة ببيانات غريبة، إلا أن حافظة بياناتها الخاصّة لا تزال فارغة. لم تكن تنتمي إلى أيّ مكان، لا ارتباطات اجتماعيّة لديها ولا شكل. كان عليها أن تتابع تمرينها لتكون روبرتا”13.
من أجل أن تخلق هويّة لها، ومن أجل تسريع حلقة التغذية المرتدّة لإدخال البيانات وتقييمها، تجري روبرتا بحثاً ميدانيّاً في الشارع وفي ملهى ليليّ. وكما يُظهر المقطع التالي، تركّز في أثناء ذلك على نماذج الهويّة الأنثويّة:
“وزّعت روبرتا مجال الرؤية لديها وركّزت على كل ما أمكنها أن تجده مختصّاً بأسلوب الحياة الأنثويّ. حاولت أن تفهم ما تمّ تحديده بأنّه أنثويّ، وأن تفهم لماذا في المفهوم التقليديّ للغالبيّة الذكوريّة يتمّ نفي الأنثويّ إلى منطقة ظلّ تتشارك فيها النساء مع الفوضى والظلام. أن تفهم ممَّ يتكوّن جبروت الأنثويّ على الذكوريّ الذي أثار (في الرجال) هذا الخوف، لدرجة أنّهم اضطروا لمعاملة النساء باحتقار أو كالعبيد حمايةً لأنفسهم”14.
إلا أنّ الانطباعات التي تجمعها في بحثها الميدانيّ لا يمكنها مضاهاة المعدّل المتوسّط للبيانات، فضلاً عن أنّها ترهق نظامها. كما في الحانة كذلك في الشارع يُنظر إليها نظرة فاحصة مدقِّقة في العلن ينقصها الاحترام بشكل حصريّ تقريباً من قبل زملائها الذكور. وتصل إلى استنتاج مفاده أنّه لا بدّ من امتلاكها “للخوارزميات البدائيّة الفائقة” للإثارة الجنسيّة الأنثويّة، غير أنّها تفشل في موضوع الإثارة هذا، وتقرّر الاستغناء عنه في النهاية:
“هل كان مُهمّاً حقّاً أن تتمثّل امرأةً؟ كان من الممكن أن تكون أيّ شيء، رجلاً، امرأةً، أو حيواناً. لقد كانت في الواقع من دون جنس، وكان لديها هذه الهويّة السطحيّة العابرة. أيخافها الزملاء في القسم لأنّها لم تكن بشراً؟ لماذا يفترض بها أن تخدم لعبة القوّة هذه القديمة والمضحكة؟ كان بإمكانها أن تكون روبرتا في أيّ جنس. لقد كانت حرّة”15. في نهاية الفصل الثاني اتخذت روبرتا قرارها بتقبّل هويّتها الخاصّة كروبوت بلا جنس، وبفهم نفسها على أنّها طاقة وإمكانيّة يمنحانها مساحة أكبر للتصرّف. وفيما يتعلّق بتلاشي الحدود بين الجنسين، تضع إيمّا براسلافسكي عبر روبرتا تصميماً لآلة تفكّر بشكلٍ حُرٍّ، مبنيّة على الآمال النسويّة لمفهوم سايبورغ الذي وضعته دونا هاراواي عام 1984 16. إلا أنّ المختلف فقط في عمل براسلافسكي هو أنّ الإنسان لا يتسلّح بالتجهيزات التقنيّة، بل يقاتل آلة ذات أنماط هويّة بشريّة. غير أنّ كلا التصميمين يمثّلان الإنسان – الآلة – الهجين كإمكانيّة لتقبّل الهويّات الجزئيّة والتحرّر من الإسنادات أو الصفات الاجتماعيّة والثقافيّة والجندريّة. وكما تُبيّن الاقتباسات فإنّ إيمّا براسلافسكي تضع جلّ اهتمامها بشكل صريح على العلاقات الثنائيّة بين الجنسين، وتستدعي علاقات القوّة المرتبطة بها، بالشكل الذي وصفه كلاوس ثيوفيلايت. فلدى براسلافسكي تقوم الآلة في نهاية المطاف بتحرير نفسها من الإسنادات أو الصفات الجنسيّة، فتكافح بهذه الطريقة التمييز الذي تتعرّض له كامرأة وآلة بشكل متوازٍ. على النقيض من ذلك، تلعب أنماط الهويّة الأنثويّة والذكوريّة دوراً ثانويّاً في رواية “ابتداع العصيان” لمارتينا كلافاديتشر. فعمليّة الإدراك اللاجنسيّة والموضوعيّة ذات الصلة بالحقائق مرتبطة هنا أيضاً بالآلات الذكيّة ولها وقع تحرريّ مماثل، إذ إنّها تُمثّل للشخصيّات الأنثويّة الثلاث جميعها إمكانيّة تصميم هويّتها وقصّتها الخاصة بها: إحدى الشخصيّات هي “الجنويد” إيريس، التي تتمكّن من خلال سرد القصص من التحرّر والانفصال أخيراً عن الرجل الذي كانت من ضمن ممتلكاته.
الشخصيّة الأخرى هي آدا، وهي شخصيّة مبنيّة على سيرة رائدة برمجة الحاسوب الإنجليزيّة آدا لوفلاس، التي ابتكرت في حياتها الواقعيّة آلات حاسبة، وفي الرواية تمكّنت من الهرب من قيود والدتها من خلال تفكيرها الرياضيّ.
وأخيراً هناك الشخصيّة الثالثة وهي لينغ، الشخصيّة الأكثر تفصيلاً في عمليّة السرد. لينغ هي عاملة مصابة بالتوحّد تعمل في مصنع صينيّ لإنتاج الدمى الجنسيّة، ومهمّتها فحص الأجسام الاصطناعيّة والتأكّد من خلوّها من العيوب. تشعر لينغ بالسعادة والرضا في عملها، لأنّ التعامل مع الآخرين صعب عليها، ولأنّها تشعر في قرارة نفسها بأنّها أقرب إلى الدمى الأنثويّة، منها إلى البشر. لقد نشأت لينغ لدى مربّية وكان يشغلها موضوع مَن هما والداها الحقيقيّان؟ وموضوع مِن أين أتت أصلاً؟ في الحوار التالي مع المرأة الروبوت هارموني التي تعمل بنظام الذكاء الاصطناعيّ تودّ لينغ في الواقع معرفة المزيد عن أصلها ومنشئها، فتحصل على إجابة تضع كلّ شكل من أشكال تكوين الهويّة كأمر مبتَدَع موضع تساؤل. وهكذا تتحرّر لينغ من العبء وتأخذ زمام أمور حياتها بيديها وتخترع قصّة.
“عذراً، من أين أتيت أنا حقّاً؟
توضّح لينغ بشكل أسلم، وتندفع هارموني بالكلام:
أصل. منشأ. منشأ [الكلمة في صيغة المفرد مؤنّثة في الألمانيّة] اسم مؤنّث، صيغة جمعه نادرة.
يصوّر المنشأ مجالاً اجتماعيّاً قوميّاً وثقافيّاً يخرج المرء منه.
أو أنّه يدلّ على أصل الشيء، أو المجال الذي ينتسب إليه.
الأصل، النسب، المصدر.
لكنّني أفترض أنك تودّين معرفة أصولك البيولوجيّة”
[…]
جميعنا يبحث عن تفسيرات،
ونحن نقوم بذلك في ماضينا
لأنّه المكان الوحيد، حيث بإمكاننا أن نبحث فيه.
الحاضر والمستقبل هما
إمّا قريبان جدّاً أو غير واضحين جدّاً.
غير أنّنا أدركنا أن كلّ منشأ يبقى
شكلاً مركّباً فقط.
حتّى هويّتنا تتكوّن من قصص
أُرسِخت فينا”17.
المصادر:
١- بغض النظر عن الاستناد التقنيّ، فإنّ الدافع أو الرغبة في خلق امرأة وفق المراد أقدم بكثير، كما يتّضح ذلك على سبيل المثال في أسطورة النحّات بجماليون في العصر الكلاسيكيّ القديم. فبجماليون كان مصابًا بخيبة الأمل من النساء، فانزوى في محترفه متفرّغًا لعمله أكثر فأكثر، وتمكّن في النهاية من إحياء أحد تماثيله بمساعدة الآلهة.
٢- Theweleit, Klaus (1980): Männerphantasien 1. Reinbek bei Hamburg: Rowohlt, S. 71.
٣- نفسه، ص. 98 وما بعدها.
٤- Vgl. Carrouges, Michel (2019): Die Junggesellenmaschinen. Berlin: Zero Sharp und Runte, Annette (Hg.) (2011): Literarische „Junggesellen-Maschinen“ und die Ästhetik der Neutralisierung. Würzburg: Könighausen & Neumann.
٥- Vgl. Kuhn, Bärbel (2000): Familienstand: ledig. Ehelose Frauen und Männer im Bürgertum (1850-1914). Köln: Böhlau, S. 167ff.
٦- انظر Theweleit 1980
٧- Vgl. etwa Hillel-Erlanger, Irène (1984): Voyages en Kaléidoscope. Paris: Table d’Emeraude.
٨- Braslavsky, Emma (2019): Die Nacht war bleich, die Lichter blinkten. Berlin: Suhrkamp, S. 37.
٩- نفسه، ص. 57.
١٠- Vgl. Passig, Kathrin: https://www.merkur-zeitschrift.de/2017/11/23/fuenfzig-jahre-black-box/ oder Glanz, Berit: https://www.54books.de/hilfe-zwischen-meinen-buchdeckeln-sind-algorithmen/
١١- Baecker, Dirk (2019): Intelligenz, künstlich und komplex. Berlin: Merve, S. 39.
١٢- Braslavsky 2019, S. 47
١٣- نفسه، ص. 41
١٤- نفسه، ص. 57
١٥- نفسه، ص. 68
١٦- Vgl. Haraway, Donna (1991): Simians, Cyborgs, and Woman. The Reinvention of Nature. New York: Routledge.
١٧- Clavadetscher, Martina (2021): Die Erfindung des Ungehorsams. Zürich: Unionsverlag, S. 154f.
د. يوهانه موس
متخصصة في الآداب الإنسانّيّة. درست العلوم الرومانّيّة وتاريخ الفّن والصحافة في جامعة هامبورغ وجامعة برشلونة. مارست تدريس اللغتين الفرنسّيّة والإسبانّيّة في جامعة هامبورغ، وأسهمت في المشاريع البحثّيّة في جامعة برن للفنون كطالبة دكتو اره وباحثة في مرحلة ما بعد الدكتو اره. تمارس د. موس عملها متخ ّصصة حّرة في علوم الثقافة لجهات عّدة، منها قاعة الفنون في هامبورغ، ومتحف الفنون في أولتن أو للبيت الأبيّض في فيينا، إضِافة إلى عملها محاضِرة متعاقدة مع قسم الدارسات الأدبّيّة في جامعتي برلين التقنّيّة، وبرلين الحرة.