لديّ حُلمٌ يتكرر دائمًا:
أنْ أستيقظ فِي الصّباحِ وأذهب إلى عملي في حي “فيدينغ”، في برلين، وأعود في المساء إلى بيتنا في الرباط!
أحيانًا يتسعُ هذا الحلم لخيالات طُفوليّة، كأن أحصل عَلى المقص السّحريّ الكبير الّذي سيقطع الجبال، والسّهول، والهضاب، والبحر المتوسط، من خارطةِ العالم، ثمّ أخيط خريطة برلين، والرّباط، ليصبحا معًا مدينة واحدة، حيث أصدقاء طفولتي، ودراستيّ المغاربة، يعيشون مع أصدقائي وزملائي الألمان. بعد العمل أتصل بصديقتي حليمة، لنلتقي وفي اليوم الموالي ألتقي بـ”يوليا” صديقتي الألمانيّة العزيزة.
أشتري فِي الصّباح خبزاً مِن مَخبزة مَحطة “غرايفسفالدر شتراسه” في برلين، وفي المساء وأنا عائدة إلى بيتنا في حسّان الرّباط، أمّر على محل بيع الحليب لأشتري “المسمن (خبز الطاوة)” الذي خبزته السيدة للتو.
إنّ هذا الوطن حيث تختلط روائح المغرب بروائح ألمانيا، هو الوطن الذي أحلم بالعيش فيه. إنه وطنيّ الذي لم يتحقق. أحتمي من برودة الشتاء الألماني، بشتاء الرباط الناعم وأهرب من حرارة المغرب في الصّيف لأستظل بأشجار حديقة “تريبتو” في برلين.
وطن تتداخل فيه اللُّغة العربيّة باللُّغةِ الألمانيّة، فكلّما هربتْ مِن لسانيّ كلمةٌ ألمانيّةٌ فِي لحظةٍ مَا (وهو ما أعايشه باستمرار)، أقولها بالعربيّة فيفهمني المُتحدث إليه الألمانيّ.
أستطيع أن آخذ أطفليّ إلى جديهم كلّ نهاية أسبوع ليتعلما لغتهم الأمّ، هم الّذين يفهمان العربيّة ولا يستطيعان التّحدث بها. هناك أيضًا ستمنحني أمّي “الطّواجن”، الّتي طبختها لي وحساء “الحريرة”، وأحملهم في كيس وأنا عائدةٌ بالقطار إلى بيتي في “برينسلاور بيرغ”.
إنّ المقص السّحريّ الّذي سَيشطر الخريطة نصفين، هو نفسه المقص الّذي سيَجمَعنُيّ لأصبح واحدة مُكتملة: مغربيّة بِثقافةٍ ألمانيةٍ وألمانيةٍ بِخلفيّةٍ مَغربيّةٍ. لن أتألم مُجددًا فِي المَطار وأنا أغادر الرِّباط باتجاه برلين، تاركةً جُذوريّ وذكرياتي وأهليّ ولن أتألم كذلك وأنا أترك بيتي فِي برلين، حيث كُتبيّ وأغراضيّ وحياتيّ اليّوميّة المُريحة الجميلة.
أحيانًا ومِن قوة الحُلم أتصوّر أنّي سأستيقظُ فِي يومٍ وقد نبت لي جناحان، هكذا أُحلّق بين سمائين وأرضين وحبّ وطن واحد.
ريم نجمي
شاعرة، وكاتبة مغربيّة، مِن مواليد الدّار البيضاء 7891م، مُقيمة فِي برلين، وتعمل فِي الصّحافة. صَدرتْ لها ثلاث مجموعات شعريّة: “أزرق سماويّ”، “كأنّ قلبي يوم أحد”، “كن بريئًا كذئب”. كما صدرت لها سنة 2202 م، رواية “تشريح الرغبة”، ولديها عدد من الإصدارات في مجال الترجمة.